الاعتراض
عن
سفر نشيد الأناشيد
والاعتراض علي سفر نشيد الأناشيد يشمل النقاط التالية:
(1) صور الغزل الفاضح.
(2) أنه حديث بين عشيقين.
(3) الألفاظ الجنسية.
أولاً: صور الغزل الفاضح
الواقع أن المعترضين على هذا السفر قالوا في اعتراضهم: "إن الذي يقرأ نشيد الأناشيد في العهد القديم ويقرأ صور الغزل المفضوح فيه، يوقن أن ما حوى من مباذل وليدُ طبيعةٍ مهتاجةٍ بالشهوةِ البهيمية مما لا يمكنُ صدورُه أبدا عن رب العالمين"
الرد
إلى هذا الحد يُهاجم هذا السفر على أنه غزل فاضح ومبتذل، لمجرد أن به تعبيرات مجازية مأخوذة من العلاقة الشرعية الحبية المقدسة التي تربط العريس بعروسه لتعبر عن محبة الله لشعبه، هذه التعبيرات الحبية لا الجنسية كم يصورها سيادته، يقول عن هذه العلاقة المقدسة أنها وليدة طبيعة مهتاجة بالشهوة البهيمية مما لا يمكن صدوره عن رب العالمين. أ فيقطع سيادته بعدم صدور هذه التعبيرات الحبية لا الجنسية عن رب العالمين؟
لمَ لمْ يسأل نفسه: كيف يمكن أن يخلق رب العالمين الجنس ذاته في الإنسان (رغم أن تعبيرات نشيد الأناشيد ليست جنسية أساسا)؟ ولماذا أوجد الله في الإنسان الميل الطبيعي إلى الجنس الآخر؟ ولماذا شرع الزواج والعلاقة الزوجية وما يحدث فيها من متعة جسدية؟ ألا يذكر سيادته ما شرعه الدين الحنيف عن زواج المتعة في (سورة النساء آية24) التي تقول: "… فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورَهن فريضةً، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما". هل يمكن وصف ذلك بما قاله سيادته أنه غزل مفضوح مبتذل وليد طبيعةٍ مهتاجة بالشهوة البهيمية؟ هل يجرؤ إنسان أن يقول عما يتم بين الزوج وزوجته من كلمات الحب المخلصة أنها غزل فاضح ومبتذل؟؟
ـ ألا يذكر المعترض أيضا ما جاء:
· في سورة (الطور الآية 19): عن متعة المؤمنين في الآخرة بحوريات الجنة إذ تقول الآية الكريمة "وزوجناهم بحور العين .."
· وأيضا بسورة (الواقعة 22ـ27): إذ تقول "وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءَ بما كانوا يعملون (إلى أن يقول) إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً"
وقد علق على ذلك بعض علماء المسلمين الأفاضل، نورد بعض تلك التعليقات فيما يلي:
· الأستاذ محمد جلال كشك: قائلا: "إنه ثابت بنص القرآن أن حور العين هن للاستمتاع الجنسي" (خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص 202)
· ويقول الشيخ الغزالي: في كتاب إحياء علوم الدين "والجنة مزينة بالحور العين من الحسان، كأنهن الياقوتُ والمرجان، لم يطمثهن (أي لم يجامعهن ) إنس قبلهم ولا جان، يمشين في درجات الجِنان، إذا اختالـت إحداهن في مشيها حمل أعطافَها (أي رداءها ) سبعون ألفا من الولدان، غانجات، (أي مدللات) عطرات، آمنات، من الهرم"
· ويعلق الأستاذ محمد جلال كشك: على هذه اللذة والمتعة قائلا: "لا مجال لأي خجل أو استخذاء من ناحية المطالب الحسية للجسد" ويكمل قائلا: "فليس في الجسد عيب أو قباحة، ولا في تلبية احتياجاته وشهواته المشروعة في هذه الدنيا، ولا في التطلع لمتعة الجسد بلا حد في الآخرة")
(خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص211)
هل يجرؤ أحد أن يقول إن هذا كلام فاضح ومبتذل؟؟!! فلماذا يتجرأ المعترض على كلمات نشيد الأناشيد وهي لم تصل في كل تعبيراتها إلى مثقالِ ذرةٍ من هذا الكلام؟!
ثانياً: قولهم أنه حديث بين عشيقين
من الاعتراضات أيضا على هذا السفر: يقولون أن هذا السفر أساسا هو حديث بين عشيق وعشيقته، فكيف يكون هذا وحيا من عند رب العالمين؟.
الـرد
الواقع أن السفر لم يتخذ تشبيها لعلاقة الله بالكنيسة من حديث بين عشيق وعشيقته، بل التشبيه المجازي مأخوذ من أحاديث بين عريس وعرسه. أي بين إثنين تربطهما علاقةُ حبٍ شرعيةٌ مقدسة. نعم نحن نؤمن أن المسيح في علاقته الحبية بالكنيسة التي هي جماعةُ المؤمنين تُشبَه بعلاقة الحب والارتباط التي بين العريس وعروسه. فقد قال يوحنا المعمدان "من له العروس فهو العريس أما صديق العريس فيفرح" (يو3: 29) لقد شبه المسيحَ بالعريس والكنيسة بالعروس وشبه نفسه بصديق العريس. وتشبيه المسيح بالعريس والكنيسة ـ التي هي جماعة المؤمنين ـ بالعروس، ورد في أماكن أخرى كثيرة في الكتاب المقدس، لا يتسع المجالُ لسردها.
والمعنى الروحي وراء هذا التشبيه المجازي هو توضيح الرباط الحبي المقدس الذي يربط المسيح بكنيسته التي هي شعبُه إذ يقول لها "محبةً أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (ار31: 3) ويقول الكتاب "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها" (أف5: 25) إنها ليست محبة جنسية شهوانية بل هى محبة باذلة مضحية "كما بذل المسيح وأسلم نفسه من أجلها".
فهل في ذلك أيةُ غضاضة أو ابتذال فاضح؟؟!!
ثالثاً: الألفاظ الجنسية
يسوق المعترضون الأمثلة من كلمات سفر نشيد الأناشيد ليبرهنوا أنها عبارات جنسية مبتذلة، من ذلك:
"ليقبلني بقبلات فمه" (1: 2)
من عبارات سفر نشيد الأناشيد المعترض عليها أيضا: "ليقبلني بقبلات فمه ...".
والاعتراض هنا: ما هذه القبلات أليست هذه جنسا فاضحا؟
الرد
(1) لا ينبغي أن ننسى حقيقة هامة أساسية وهي: أن هذا الكلام هو بين عريس وعروس فهو كلام شرعي مقدس وليس علاقة غير شرعية مبتذلة.
(2) بالإضافة إلى ذلك فهو تعبير عن المحبة الخاصة النقية، ونحن نقول في أقدس عباداتنا بفكر نقي خال من النجاسة: ّقبلوا بعضكم بعضا بقبلة مقدسة" أي عبروا عن محبتكم بمصافحة مقدسة وليس بقبلة غاشة كما فعل يهوذا الإسخريوطي الذي سلم المسيح ليد اليهود ليصلبوه، مما اضطر السيد المسيح أن يقول له "أبقبلة تسلم ابن الإنسان" (لو22: 48)
فهل في هذه القبلات غزل فاضح نتاج طبيعة بهيمية مهتاجة كما يدعون؟؟!!
أليست القبلات بين العريس وعروسه أو بين الزوج وزوجته شيئا غير فاضح أو مبتذل، فالفاضح والمبتذل هو ما يخص العلاقات غير الشرعية. أما تعبيرات العلاقة الشرعية فليس فيها شُبهةُ ابتذال.
(3) المعنى الروحي لهذا التشبيه: إن الوحي الإلهي قد اتخذ من هذه العلاقة المقدسة بين العريس وعروسه تشبيها للتعبير المجازي عن العلاقة الشرعية التي تربطنا بالله في حب مخلص مقدس.
(4) والواقع أن المعترضين يتجنون على سفر نشيد الأناشيد ويصورون لمن لم يقرأْه أنه كتابٌ من الأدب الهابط المبتذل. وحاشا لكلام الله من الابتذال. وإنما قد غلق على المعترضين فهم هذه التعبيرات الروحية المقدسة، وفَهَمَوها بحسب فكرهم الشخصي ولهذا قال الكتاب المقدس في (رسالة بولس الرسول إلى تيطس 1: 15) "كل شيء طاهر للطاهرين، وأما النجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم".
(5) دعني أصارحك عزيزي القارئ أنني ترددت كثيرا في أن أورد أيضا كلام السيد المسيح في هذا الصدد حتى لا يساء فهم قصدي. وأؤكد لك أيها القارئ العزيز أنني لا أبغي بهذا الكلام إهانة لأي إنسان لأننا نحب كل أحد ونحترم كل أحد مهما اختلف معنا في الفكر، فالمثل يقول "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، والآن أجد نفسي بعد أن وضحت قصدي (واثقا من محبتكم وحسن ظنكم) أن أذكر كلمات السيد المسيح كما جاءت في (مت7: 6) التي تقول "لا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم". من أجل هذا كانت قراءة هذا السفر ممنوعة على غير الناضجين روحيا، لئلا يضروا أنفسهم إذ يتخذونه بالمعنى الحرفي كما فعل السادة المعترضون، وليس بالمدلول الروحي المراد من هذه التعبيرات المجازية البلاغية عن أقدس رباط حب وهو الحب بين الله وكنيسته المقدسة.
(6) وبعد. أيها القارئ العزيز أريد أن أبرهن لك على أن سفر نشيد الأناشيد ليس كما يدعي المعترضون بأنه كتاب غرام مبتذل.
أ ـ في قول العروس: اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى (نش1:2)
من هذه الآية يتضح أنه لو كان السفر غزلا بين حبيبين فهل تقبل الحبيبة أن يشاركها فتيات أخريات في عشق حبيبها، هل تجردت من الغيرة والاحتفاظ بحب حبيبها لنفسها؟! لماذا إذا تقول "لذلك أحبتك العذارى"؟
أما المعنى الروحي لهذا الكلام: فهو أن النفس المؤمنة التي تتذوق حلاوة العشرة مع الله لا يمكن أن تهدأ إن لم تجذب آخرين معها ليتمتعوا بنفس النعمة التي تتمتع بها. هكذا فعلت المرأة السامرية التي تقابلت مع المسيح وتغيرت حياتها فهرولت إلى مدينتها السامرة وجذبت أهلها لكي يتبعوا المسيح.
ب ـ تقول العروس: "اجذبني وراءك فنجري … نبتهج ونفرح بك … بالحق يحبونك". (نش1: 4)
واضح أيضا من كلمات العروس أنها تشرك الآخرين معها في محبتها لل، فبعد أ، تقةل ّاجدبني وراءكّ نسمعها تقول بضمير المتكلمين: فنجري، نبتهج، نفرح بك. وتؤكد ذلك بقولها: بالحق يحبونك. كيف يكون هذا غزل شخصي والكلمات تحمل معنى الشركة المقدسة فجميع المؤمنين المحبين لله معنيين في هذا الكلام. إذن ليس هو موضوع غزل فاضح كما يزعم المعترضون!!
ج ـ في قول العريس للعروس ارع جداءك عند مساكن الرعاة (نش1:
كيف يكون هذا غزل وهو يسمح لحبيبته أن تذهب إلى الرعاة. ألا يغار عليها؟ ألا يريد أن يحتفظ بحبها لنفسه فلا يرضى أن تفارقه لحظة ولا طرفة عين!!!
المعنى الروحي الذي غاب عن المعترضين هو أن العريسَ السماوي السيد المسيح إنما ينصح النفسَ التي ترتبط به بأن تذهب إلى الكهنة والخدام رعاة الدين لكي ترعى حياتها هناك تحت إرشادهم.
وهناك العبارات الكثيرة في السفر من هذا القبيل التي ترد على اتهامات المعترضين بالدليل القاطع أن هذا السفر لا يمكن أن يكون غراما بين عاشقين على المستوى الجسدي الجنسي، الذي فهمه خطأً السادة المعترضون!! وإنما هو سفر مقدس بمعانيه السامية في تعبيرات مجازية لا يدركها الجسدانيون الشهوانيون فكل شيء طاهر للطاهرين.
والواقع أن القضية الأساسية التي تجعل الأحباء المسلمين لا يفهمون التعبيرات المسيحية من جهة علاقة الله بالإنسان. أنهم ينظرون إلى هذه العلاقة التي بين الله والناس على أنها مجرد علاقة عبادة لله. أما في الإيمان المسيحي فإن هذه العلاقة هي علاقة حب قوي. فنرى الكتاب يقول: "هكذا أحب الله العالم" (يو3: 16)، وأيضا "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا" (1يو4: 19)
وعلى هذا المنوال نسج سفر نشيد الأناشيد مستخدما التعبيرات المجازية للمحبة الشرعية بين العريس وعروسه ليظهر بها عمق محبة الله للبشر. أ فتعتبر هذه التشبيهات الشرعية تشبيهات فاضحة مبتذلة؟!!
من له أذنان للسمع فليسمع!!!
كان هذا ردا موجزا على هذه الاعتراضات وتوضيحا للمعنى الروحي لهده التعبيرات المجازية
عن
سفر نشيد الأناشيد
والاعتراض علي سفر نشيد الأناشيد يشمل النقاط التالية:
(1) صور الغزل الفاضح.
(2) أنه حديث بين عشيقين.
(3) الألفاظ الجنسية.
أولاً: صور الغزل الفاضح
الواقع أن المعترضين على هذا السفر قالوا في اعتراضهم: "إن الذي يقرأ نشيد الأناشيد في العهد القديم ويقرأ صور الغزل المفضوح فيه، يوقن أن ما حوى من مباذل وليدُ طبيعةٍ مهتاجةٍ بالشهوةِ البهيمية مما لا يمكنُ صدورُه أبدا عن رب العالمين"
الرد
إلى هذا الحد يُهاجم هذا السفر على أنه غزل فاضح ومبتذل، لمجرد أن به تعبيرات مجازية مأخوذة من العلاقة الشرعية الحبية المقدسة التي تربط العريس بعروسه لتعبر عن محبة الله لشعبه، هذه التعبيرات الحبية لا الجنسية كم يصورها سيادته، يقول عن هذه العلاقة المقدسة أنها وليدة طبيعة مهتاجة بالشهوة البهيمية مما لا يمكن صدوره عن رب العالمين. أ فيقطع سيادته بعدم صدور هذه التعبيرات الحبية لا الجنسية عن رب العالمين؟
لمَ لمْ يسأل نفسه: كيف يمكن أن يخلق رب العالمين الجنس ذاته في الإنسان (رغم أن تعبيرات نشيد الأناشيد ليست جنسية أساسا)؟ ولماذا أوجد الله في الإنسان الميل الطبيعي إلى الجنس الآخر؟ ولماذا شرع الزواج والعلاقة الزوجية وما يحدث فيها من متعة جسدية؟ ألا يذكر سيادته ما شرعه الدين الحنيف عن زواج المتعة في (سورة النساء آية24) التي تقول: "… فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورَهن فريضةً، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما". هل يمكن وصف ذلك بما قاله سيادته أنه غزل مفضوح مبتذل وليد طبيعةٍ مهتاجة بالشهوة البهيمية؟ هل يجرؤ إنسان أن يقول عما يتم بين الزوج وزوجته من كلمات الحب المخلصة أنها غزل فاضح ومبتذل؟؟
ـ ألا يذكر المعترض أيضا ما جاء:
· في سورة (الطور الآية 19): عن متعة المؤمنين في الآخرة بحوريات الجنة إذ تقول الآية الكريمة "وزوجناهم بحور العين .."
· وأيضا بسورة (الواقعة 22ـ27): إذ تقول "وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاءَ بما كانوا يعملون (إلى أن يقول) إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً"
وقد علق على ذلك بعض علماء المسلمين الأفاضل، نورد بعض تلك التعليقات فيما يلي:
· الأستاذ محمد جلال كشك: قائلا: "إنه ثابت بنص القرآن أن حور العين هن للاستمتاع الجنسي" (خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص 202)
· ويقول الشيخ الغزالي: في كتاب إحياء علوم الدين "والجنة مزينة بالحور العين من الحسان، كأنهن الياقوتُ والمرجان، لم يطمثهن (أي لم يجامعهن ) إنس قبلهم ولا جان، يمشين في درجات الجِنان، إذا اختالـت إحداهن في مشيها حمل أعطافَها (أي رداءها ) سبعون ألفا من الولدان، غانجات، (أي مدللات) عطرات، آمنات، من الهرم"
· ويعلق الأستاذ محمد جلال كشك: على هذه اللذة والمتعة قائلا: "لا مجال لأي خجل أو استخذاء من ناحية المطالب الحسية للجسد" ويكمل قائلا: "فليس في الجسد عيب أو قباحة، ولا في تلبية احتياجاته وشهواته المشروعة في هذه الدنيا، ولا في التطلع لمتعة الجسد بلا حد في الآخرة")
(خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص211)
هل يجرؤ أحد أن يقول إن هذا كلام فاضح ومبتذل؟؟!! فلماذا يتجرأ المعترض على كلمات نشيد الأناشيد وهي لم تصل في كل تعبيراتها إلى مثقالِ ذرةٍ من هذا الكلام؟!
ثانياً: قولهم أنه حديث بين عشيقين
من الاعتراضات أيضا على هذا السفر: يقولون أن هذا السفر أساسا هو حديث بين عشيق وعشيقته، فكيف يكون هذا وحيا من عند رب العالمين؟.
الـرد
الواقع أن السفر لم يتخذ تشبيها لعلاقة الله بالكنيسة من حديث بين عشيق وعشيقته، بل التشبيه المجازي مأخوذ من أحاديث بين عريس وعرسه. أي بين إثنين تربطهما علاقةُ حبٍ شرعيةٌ مقدسة. نعم نحن نؤمن أن المسيح في علاقته الحبية بالكنيسة التي هي جماعةُ المؤمنين تُشبَه بعلاقة الحب والارتباط التي بين العريس وعروسه. فقد قال يوحنا المعمدان "من له العروس فهو العريس أما صديق العريس فيفرح" (يو3: 29) لقد شبه المسيحَ بالعريس والكنيسة بالعروس وشبه نفسه بصديق العريس. وتشبيه المسيح بالعريس والكنيسة ـ التي هي جماعة المؤمنين ـ بالعروس، ورد في أماكن أخرى كثيرة في الكتاب المقدس، لا يتسع المجالُ لسردها.
والمعنى الروحي وراء هذا التشبيه المجازي هو توضيح الرباط الحبي المقدس الذي يربط المسيح بكنيسته التي هي شعبُه إذ يقول لها "محبةً أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (ار31: 3) ويقول الكتاب "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها" (أف5: 25) إنها ليست محبة جنسية شهوانية بل هى محبة باذلة مضحية "كما بذل المسيح وأسلم نفسه من أجلها".
فهل في ذلك أيةُ غضاضة أو ابتذال فاضح؟؟!!
ثالثاً: الألفاظ الجنسية
يسوق المعترضون الأمثلة من كلمات سفر نشيد الأناشيد ليبرهنوا أنها عبارات جنسية مبتذلة، من ذلك:
"ليقبلني بقبلات فمه" (1: 2)
من عبارات سفر نشيد الأناشيد المعترض عليها أيضا: "ليقبلني بقبلات فمه ...".
والاعتراض هنا: ما هذه القبلات أليست هذه جنسا فاضحا؟
الرد
(1) لا ينبغي أن ننسى حقيقة هامة أساسية وهي: أن هذا الكلام هو بين عريس وعروس فهو كلام شرعي مقدس وليس علاقة غير شرعية مبتذلة.
(2) بالإضافة إلى ذلك فهو تعبير عن المحبة الخاصة النقية، ونحن نقول في أقدس عباداتنا بفكر نقي خال من النجاسة: ّقبلوا بعضكم بعضا بقبلة مقدسة" أي عبروا عن محبتكم بمصافحة مقدسة وليس بقبلة غاشة كما فعل يهوذا الإسخريوطي الذي سلم المسيح ليد اليهود ليصلبوه، مما اضطر السيد المسيح أن يقول له "أبقبلة تسلم ابن الإنسان" (لو22: 48)
فهل في هذه القبلات غزل فاضح نتاج طبيعة بهيمية مهتاجة كما يدعون؟؟!!
أليست القبلات بين العريس وعروسه أو بين الزوج وزوجته شيئا غير فاضح أو مبتذل، فالفاضح والمبتذل هو ما يخص العلاقات غير الشرعية. أما تعبيرات العلاقة الشرعية فليس فيها شُبهةُ ابتذال.
(3) المعنى الروحي لهذا التشبيه: إن الوحي الإلهي قد اتخذ من هذه العلاقة المقدسة بين العريس وعروسه تشبيها للتعبير المجازي عن العلاقة الشرعية التي تربطنا بالله في حب مخلص مقدس.
(4) والواقع أن المعترضين يتجنون على سفر نشيد الأناشيد ويصورون لمن لم يقرأْه أنه كتابٌ من الأدب الهابط المبتذل. وحاشا لكلام الله من الابتذال. وإنما قد غلق على المعترضين فهم هذه التعبيرات الروحية المقدسة، وفَهَمَوها بحسب فكرهم الشخصي ولهذا قال الكتاب المقدس في (رسالة بولس الرسول إلى تيطس 1: 15) "كل شيء طاهر للطاهرين، وأما النجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم".
(5) دعني أصارحك عزيزي القارئ أنني ترددت كثيرا في أن أورد أيضا كلام السيد المسيح في هذا الصدد حتى لا يساء فهم قصدي. وأؤكد لك أيها القارئ العزيز أنني لا أبغي بهذا الكلام إهانة لأي إنسان لأننا نحب كل أحد ونحترم كل أحد مهما اختلف معنا في الفكر، فالمثل يقول "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، والآن أجد نفسي بعد أن وضحت قصدي (واثقا من محبتكم وحسن ظنكم) أن أذكر كلمات السيد المسيح كما جاءت في (مت7: 6) التي تقول "لا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم". من أجل هذا كانت قراءة هذا السفر ممنوعة على غير الناضجين روحيا، لئلا يضروا أنفسهم إذ يتخذونه بالمعنى الحرفي كما فعل السادة المعترضون، وليس بالمدلول الروحي المراد من هذه التعبيرات المجازية البلاغية عن أقدس رباط حب وهو الحب بين الله وكنيسته المقدسة.
(6) وبعد. أيها القارئ العزيز أريد أن أبرهن لك على أن سفر نشيد الأناشيد ليس كما يدعي المعترضون بأنه كتاب غرام مبتذل.
أ ـ في قول العروس: اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى (نش1:2)
من هذه الآية يتضح أنه لو كان السفر غزلا بين حبيبين فهل تقبل الحبيبة أن يشاركها فتيات أخريات في عشق حبيبها، هل تجردت من الغيرة والاحتفاظ بحب حبيبها لنفسها؟! لماذا إذا تقول "لذلك أحبتك العذارى"؟
أما المعنى الروحي لهذا الكلام: فهو أن النفس المؤمنة التي تتذوق حلاوة العشرة مع الله لا يمكن أن تهدأ إن لم تجذب آخرين معها ليتمتعوا بنفس النعمة التي تتمتع بها. هكذا فعلت المرأة السامرية التي تقابلت مع المسيح وتغيرت حياتها فهرولت إلى مدينتها السامرة وجذبت أهلها لكي يتبعوا المسيح.
ب ـ تقول العروس: "اجذبني وراءك فنجري … نبتهج ونفرح بك … بالحق يحبونك". (نش1: 4)
واضح أيضا من كلمات العروس أنها تشرك الآخرين معها في محبتها لل، فبعد أ، تقةل ّاجدبني وراءكّ نسمعها تقول بضمير المتكلمين: فنجري، نبتهج، نفرح بك. وتؤكد ذلك بقولها: بالحق يحبونك. كيف يكون هذا غزل شخصي والكلمات تحمل معنى الشركة المقدسة فجميع المؤمنين المحبين لله معنيين في هذا الكلام. إذن ليس هو موضوع غزل فاضح كما يزعم المعترضون!!
ج ـ في قول العريس للعروس ارع جداءك عند مساكن الرعاة (نش1:
كيف يكون هذا غزل وهو يسمح لحبيبته أن تذهب إلى الرعاة. ألا يغار عليها؟ ألا يريد أن يحتفظ بحبها لنفسه فلا يرضى أن تفارقه لحظة ولا طرفة عين!!!
المعنى الروحي الذي غاب عن المعترضين هو أن العريسَ السماوي السيد المسيح إنما ينصح النفسَ التي ترتبط به بأن تذهب إلى الكهنة والخدام رعاة الدين لكي ترعى حياتها هناك تحت إرشادهم.
وهناك العبارات الكثيرة في السفر من هذا القبيل التي ترد على اتهامات المعترضين بالدليل القاطع أن هذا السفر لا يمكن أن يكون غراما بين عاشقين على المستوى الجسدي الجنسي، الذي فهمه خطأً السادة المعترضون!! وإنما هو سفر مقدس بمعانيه السامية في تعبيرات مجازية لا يدركها الجسدانيون الشهوانيون فكل شيء طاهر للطاهرين.
والواقع أن القضية الأساسية التي تجعل الأحباء المسلمين لا يفهمون التعبيرات المسيحية من جهة علاقة الله بالإنسان. أنهم ينظرون إلى هذه العلاقة التي بين الله والناس على أنها مجرد علاقة عبادة لله. أما في الإيمان المسيحي فإن هذه العلاقة هي علاقة حب قوي. فنرى الكتاب يقول: "هكذا أحب الله العالم" (يو3: 16)، وأيضا "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا" (1يو4: 19)
وعلى هذا المنوال نسج سفر نشيد الأناشيد مستخدما التعبيرات المجازية للمحبة الشرعية بين العريس وعروسه ليظهر بها عمق محبة الله للبشر. أ فتعتبر هذه التشبيهات الشرعية تشبيهات فاضحة مبتذلة؟!!
من له أذنان للسمع فليسمع!!!
كان هذا ردا موجزا على هذه الاعتراضات وتوضيحا للمعنى الروحي لهده التعبيرات المجازية