مقالة للمتنيح الأنبا غريغوريوس بعنوان " سر تكريمنا
لأجساد القديسين "نشرت بجريدة وطنى الغراء بتاريخ 27/ 8/2006 م
السنة 48 العدد 2331 قال فيها : -
إننا نؤمن
بكرامة أجساد القديسين وعظامهم,لأن هذا الجسد هو الذي عاشت
فيه الروح,حقا الروح فارقت الجسد والآن هي في الفردوس,إنما
هذا الجسد,هو البيت الذي عاشت فيه,وأيضا كل حياة الإنسان
تكون مرسومة ومطبوعة علي هذا الجسد,هذا الكلام علميا
صحيح,جسد الإنسان هو كتاب حياته,يقول سفر الرؤيا يتكلم عن
يوم الدينونة:ثم رأيت عرشا عظيما أبيض والجالس عليه الذي من
وجهه هربت الأرض والسموات ولا يوجد لهما أثر (رؤ20:11-15).
فهنا يصف يوم الدينونة,وعندما يقول:الذي من
وجهه هربت السموات والأرض ولم يوجد لهما أثر,يقصد بها
السموات القريبة إلينا وهي سموات الكواكب,أما السموات العليا
أو سماء السموات فهي التي فيها العرش الإلهي فهذه لا
تفني.ثم يقول:ورأيت الأموات صغارا وكبارا واقفين أما
العرش,هنا يتكلم عن يوم الدينونة,وعندما يقول صغارا وكبارا
وضع صغارا قبل كبارا أي أن الدينونة للكل ثم يقول:وفتحت
أسفار,ودين كل واحد بحسب ما هو مكتوب في الأسفار,هنا يوجد
أسفار بالجمع,سفر الحياة واحد,إنما لماذا يقول هنا:وفتحت
أسفار ثم أن هذه الأسفار هي أساس الدينونة,ودين كل واحد
بحسب ما هو مكتوب في الأسفار أي أن هذه الأسفار مكتوب فيها
حياة الإنسان,وكلمة أسفار بالجمع تدل علي أن كل واحد فينا
له سفر,ما هو السفر؟ هل هو ورق؟ لا...إنه هو هذا
الجسد.
جسد
الإنسان هو كتاب حياته,لأن كل شئ يسجل يا أولادنا علي هذا
الجسد,أولا كلنا نعلم أن مخ الإنسان أعظم ريكوردر,لا يوجد
شئ ينسي أبدا,كل شئ مسجل,كل شئ يطبع علي هذا المخ,بدليل
أن هناك أشياء حدثت وسنك سنتان وثلاثة وتتذكرها,في أي وقت
من الأوقات,تتذكر كلمة قالها لك واحد وقد تكون هذه الكلمة
تافهة تسجلت,وكل ما تراه العين وتسمعه الأذن من انفعالات
وعواطف كلها مسجلة في هذا المخ وعلي هذه اليد,وعلي هذه
العظام كلها,حياة الإنسان علي هذا الجسد,هذا هو السبب أن
الله أرجأ الجزاء إلي ما بعد القيامة,فالعدل الإلهي يقتضي أن
هذا الجسد المرافق للروح لابد أن يكون في يوم الدينونة مع
الروح.وهذا ما قاله الكتاب المقدس قال:لابد أننا جميعا نقف
أمام كرسي المسيح للقضاء لينال كل واحد بحسب ما صنع في
الجسد خيرا كان أم شرا.هذا الجسد
زميل.
القديس
يوحنا ذهبي الفم يضرب مثلا عن أهمية الجسد وهذه قد تهمنا
الآن خصوصا ونحن نحتفل بأجساد القديسين ونتبارك بها,يقول:كان
هناك واحد ملك عنده حديقة أو كرم,وكان مفتوح الأبواب فاكتشف
سرقة الثمار فأراد أن يعرف من السارق,فأمر بغلق أبواب
الحديقة,ولكن وجد أنه مازالت الثمار تسرق,فأمر بالتفتيش علي
أي أحد يكون مختفيا,وبعد البحث لم يجدوا أحدا إلا اثنان
رجل أعمي وآخر عاجز الرجلين (مكسح),فوجد صاحب الكرم أن
الأعمي لا يمكن أن يسرق لأنه لا يري,والمكسح أيضا لا يمكن
أن يسرق لأنه لا يستطيع أن يصل للثمار,فطلب مراقبتهما,فوجدا
أن الأعمي حمل المكسح علي كتفه وبذلك تمكنا من سرقة الثمار
وبذلك اكتشف أن الأعمي له يد في السرقة وكذلك المكسح,ويقول
ذهبي الفم:إذا أردنا أن نعاقب,من نعاقب فيهما؟ الاثنان
مشتركان معا في السرقة,الأعمي كان رجلين للمكسح,والمكسح كان
عينين للأعمي,إذا الاثنان معا,هذا مثل ضربه ليشرح به
الدينونة,العينان هي الروح إنما الإنسان الأعمي هو جسد
الإنسان,إذا الإنسان كإنسان عندما يعمل الخير,يعمل الخير
بالروح والجسد,وعندما يعمل الشر يعمله بالاثنين بالروح
وبالجسد,كل أعمال الإنسان بالروح والجسد,ماعدا ما نسميه خطايا
الفكر,وحتي خطايا الفكر يحدث بسببها انفعالات في الجسد
وإفرازات وهرمونات متوازية مع حركة الفكر,الحسد والحقد والزني
الفكري,كل هذا بالفكر ولكن يحدث مع الجسد هرمونات
وإفرازات.
فيوحنا ذهبي الفم يضرب مثلا لكي يبين أن
الروح والجسد في الإنسان معا يصنعان الخير أو يعملان
الشر,إذن العدل يقتضي أن الاثنين يكونا معا في الجزاء,وهذا
هو السبب في إرجاء الجزاء إلي ما بعد القيامة العامة,وهي
التي يسمونها القيامة الثانية قيامة الأجساد,مثل ما قال سيدنا
له المجد:تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور
صوته,فيخرج الذين عملوا الصالحات إلي قيامة الحياة,والذين
عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة (يو5:29)
إذا الجسد الذي أودعناه القبر وأغلقنا عليه,في يوم القيامة
قبل الدينونة لابد أن يخرج.هذا ما يقوله السيد المسيح.إذن
الجسد لن يفني,ومهما كان لابد أن يرجع مرة أخري,قد تقول
افرض أن الإنسان غرق في البحر وأكلته الأسماك,لابد أنه في
اليوم العظيم أن هذه الأجزاء تعود وتتجمع مرة أخري,لأن عظمة
الخالق في أنه لم يخلق شيئا مثل الآخر,لا يوجد جسد إنسان
مثل جسد إنسان آخر أبدا,الإنسان الواحد,العين اليمني ليست
مثل اليسري,عظمة الخالق في التنوع,شعرة الرأس لا يوجد شعرة
مثل الأخري,فلا يوجد شعرة في إنسان مثل شعرة إنسان آخر
أبدا أبدا.
اليوم يقال شئ آخر أعظم من هذا,إنه لا
يوجد حبة قمح لها نظير في العالم كله,لا يوجد علي شجرة
واحدة ورقة مثل الثانية في الشرشرة,وفي الهندسة علي الرغم من
أنها علي شجرة واحدة,هذه عظمة الخالق,اليوم يقال لا يوجد
قلامة ظفر عصفور مثل قلامة ظفر عصفور آخر,مثل بصمة
الأصبع,كلكم تعرفون أن بصمة الأصبع شئ عظيم جدا,لا يوجد
واحد بصمته مثل الثاني أبدا في العالم كله,هذه عظمة الخالق
في التنوع.
إذن لو فرضنا أن واحدا جسمه أكله السمك,في
يوم الدينونة يجمع كله علي بعضه,أعطيك مثلا بسيطا لو عندك
كوب أو وعاء,ووضعت فيه بعض السوائل,زئبق وماء وخمر وسبرتو
وزيت,وخلطتها في بعض بملعقة,ستجدها اختلطت,انتظر قليلا تجد
الزئبق لوحده والخل لوحده والخمر لوحده,والماء لوحده,والزيت
لوحده,لماذا؟ لأنها جزيئات,فكل شئ يتجمع علي بعضه,فمن باب
أولي أجسادنا لا يوجد جسد مثل الآخر,الشئ الثاني أن الواحد
فينا بأعماله وتصرفاته يخلق فروقا أخري يختلف فيها عن
الآخر,فكل ما يراه الإنسان ويسمعه,كل انفعال,كل عاطفة ترسم
علي الجسم,الجسم الإنساني أعظم ريكوردر,كل شئ مسجل عليه,لذلك
في يوم الدينونة ويوم الحساب يقول فتحت أسفار,أسفار
بالجمع,سفر الحياة واحد,إنما هنا لماذا يقول أسفار؟ ودين -من
الدينونة- كل واحد بحسب ما هو مكتوب في الأسفار,الدينونة حسب
السفر,وهذا ما قاله سيدنا له المجد في سفر الرؤيا,أنا آتي
سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد منكم علي حسب أعماله,كل
واحد له دينونة,كل واحد له حساب,أنا لا أتحكم,أنت الإنسان
تصنع مصيرك,أنا أجازي كل واحد منكم حسب ما يكون عمله,أنت
صانع مصيرك.
فإلي جانب التنوع للخلق,لأن ربنا لم يخلق
شيئا مثل الثاني,كل واحد فينا يضيف أسبابا جديدة للتفريق
بينه وبين أي واحد آخر,وكل هذا مسجل علي هذا الجسد,تقول
واحد مات في الصحراء فتجمعت عليه طيور السماء النسر والصقور
والحدأة وأكلوه,يقول نهرو رئيس وزراء الهند بعد أن مات في
بلاد الهند حرقوا الجثة,وبطائرة نثروا هذه الذرات علي كل أرض
الهند,ونظريتهم في ذلك أنها تبارك أرض الهند بهذا
التراب,تقول ماذا يحدث يوم الدينونة؟ عظمة الخالق تجمع هذه
الذرات معا.
لذلك مثلا بعض القديسين الذين قطعت
أجسادهم,وعلي سبيل البركة أخذوا جزءا منه في هذا البلد,وجزءا
آخر في بلد ثانية وثالثة...هذه العظام أو الرفات الصغيرة
المنتشرة في كنائس العالم كله,في يوم الدينونة تتجمع مرة
أخري.
مثل
الإنسان في الوقت الحاضر عندما يعمل عملية ويقطعوا رجله لسبب
مرضي ويكتفي برجل صناعية,هذه الرجل تدفن في البلد الذي عمل
فيه العملية,واحتمال هو أصلا من بلد أخري,في يوم الدينونة
ستتجمع هذه الأجزاء المبعثرة أو التي دفنت في مكان
آخر.
لأن
هذا الإنسان روحا وجسدا سيدان,وهذا الجسد زميل للروح,فكيف
تدان الروح دون الجسد,هذا الجسد كان بيت الروح التي سكنت
فيه طوال هذه الفترة من حياتها.
هذا هو السبب لماذا نحن نكرم أجساد
القديسين,لأن هذا الجسد جسد القديس فلان,ونحن لا نؤمن بفناء
الجسد,وهذا الجسد سيبقي,طبعا سيحدث له بعض تغيرات,إنما نفس
الجسد هو هو بعينه الذي سيقوم,لأننا نقول:ننتظر قيامة
الأموات,ما معني القيامة؟ معناها أن الذي رقد سيقوم,نفس
الجسد الذي رقد هو بعينه الذي يقوم,لكن تحدث فيه بعض
التغيرات,حدة النظر عند واحد 6 / 12 وعند آخر 6 / 18,هذا الفرق
لأسباب وراثية أو أسباب ولادية,أو أنه حدث له مرض فأصيب
بالعمي وكذلك بالنسبة لباقي الأعضاء قد يصاب واحد بعاهة,أو
يقوم طبيب بعمل عملية استئصال جزء من جسمه,جسد القيامة لن
يكون فيه هذه العاهات,يسترد الجسد,النظر والسمع وكل أعضاء
جسده,هذا هو التغير الذي قال عنه الكتاب المقدس لسنا كلنا
نرقد ولكن كلنا نتغير,فالتغير لجسدنا هو هذا التغير,أن يصبح
الجسد كاملا وصحيحا من أي أمراض ومن أي
ضعف.
وسيكون
الجسد في صحة الشباب وقوة الشباب,ولا يكون فيه العيوب التي
نراها,واحد قصير أو طويل أزيد من اللزوم,جميع العيوب الناتجة
عن أسباب وراثية أو ولادية أو مرضية ستتلاشي,سيكون الجسم في
وضعه المثالي.
أيضا قد يشمل هذا التغير الجهاز الداخلي
للإنسان مثل المعدة والبنكرياس والكبد والكليتين وما إليها,لأن
هذه الأعضاء لازمة لحياتنا علي الأرض لأننا محتاجون أن نأكل
خضروات وبقولا و...إلخ ولكن في العالم الآخر سنأكل من شجرة
الحياة وهو المسيح نفسه.فمن الممكن أن هذا الجهاز الداخلي
يتغير,فلا نحتاج إلي المعدة,ولا نحتاج إلي البنكرياس وإلي
الكليتين.لأن طعامنا سيتغير سيكون هو شجرة الحياة وهو المسيح
نفسه,وهو سر القربان وسر التناول,لذلك نقول خبزنا الآتي أعطي
لنا اليوم,خبزنا الذي هو زادنا للدهر الآتي أعطينا منه
هنا,بعض الناس يقرأوها خبزنا كفافنا...لا,حسب النص اليوناني
أو حسب النص القبطي خبزنا الآتي أعطي لنا اليوم الآتي الذي
هو سيكون زادنا في الحياة الأخري أعطينا منه هنا علي
الأرض,وهو شجرة الحياة.
فممكن جدا أن التغير الذي يتكلم عنه الكتاب
يكون في الأعضاء الداخلية للإنسان,لأنه سنكون في غير حاجة
إليها,لكن المهم الجسد نفسه,وهو اللحم والعظام.سيدنا لما قام
من بين الأموات,دخل علي تلاميذه والعلية مغلقة,ولأنهم افتكروه
شبحا,قال لهم تعالوا جسوني أنا هو بنفسي فإن الروح أو
الشبح ليس له عظام ولحم كما تروني,وجسد القيامة يكون فيه
عظام ولحم,هذه مهمة جدا,نفس الجسد لأن ما يزرعه الإنسان
إياه يحصد,المهم أن تقوم كما قام المسيح,والمسيح قام بجسد
له لحم وعظام,ولذلك احتفظ بالثقوب في يديه ورجليه لكي يبرهن
علي أنه قام بذات الجسد الذي صلبوه,ولذلك قال لتوما ضع يدك
في أثر المسامير وضع يدك في جنبي ولا تكن غير مؤمن,طبعا
جسد القيامة بالنسبة لنا لن تبقي فيه هذه العاهات (أثر
المسامير),لكن المسيح بالذات عمل ذلك لكي يبرهن علي أن جسد
القيامة هو نفس الجسد الذي صلب به.
هذا هو السبب يا أولادنا لماذا
نكرم أجساد القديسين,لأن هذا الجسد أولا يحمل صفات الشخص
ومرسوم عليه أعماله,وهذا الكلام قاله بولس الرسول:حامل في
جسدي سمات الرب يسوع يقصد الضرب والجروح التي جرح بها باقية
في جسده كسمات.أي كعلامة علي تبعيته للمسيح ومن أجل
المسيح.من حكمة الله في الخلق لو حدث لأحد جرح أو عمل
عملية علي الرغم من أن كل خلايا الجسم تتغير كل سبع سنين
لكن نجد في الجسم أثرا للجرح أو أثرا للعملية تكون مثل
ندبة صغيرة في أي مكان في الجسم علي الرغم من التغيرات
الموجودة.
فجسد القيامة يحمل كل صفات الإنسان وكل
أعماله,الانفعالات,� �لعواطف,العرق,عرق الطاهر لن يكون مثل عرق
النجس,كل هذه موجودة مع الإنسان وباقية أيضا عندما تفتح
الأسفار في يوم الدينونة,والسفر عبارة عن هذا الجسد,كل شخص
أعماله مرسومة,هذا الجسد مرسوم عليه كل أعمال الإنسان وعواطفة
وانفعالاته ومشاعره وبناء عليه ستكون
الدينونة.
هذا هو السبب لماذا نحن نكرم أجساد القديسين؟
لأن هذا الجسد يحمل صفات الشخص ويحمل أعماله,وأيضا لأن الله
بلطفه وحنانه يعطي لهذه الأجساد كرامة,فنجد أن أجساد القديسين
تحدث منها معجزات,كيف؟ هذا نوع من الكرامة التي يعطيها الله
لأجساد القديسين,اللمسة التي تلمسها له تأخذ أنت بركة وتأخذ
فوائد معينة,نجدا واحدا مريضا ويلمس هذا الجسد أو هذه الرفات
أو الأنبوبة ويحصل له شفاء,علي سبيل
المعجزة.
كل
أجساد القديسين والقديسات أصبحت لها كرامة لأن فيها بركة.لهذا
كله نكرم أجساد القديسين لأن عليها أعمال هذا
القديس.
عظة ألقيت 10 نوفمبر 1991م
لأجساد القديسين "نشرت بجريدة وطنى الغراء بتاريخ 27/ 8/2006 م
السنة 48 العدد 2331 قال فيها : -
إننا نؤمن
بكرامة أجساد القديسين وعظامهم,لأن هذا الجسد هو الذي عاشت
فيه الروح,حقا الروح فارقت الجسد والآن هي في الفردوس,إنما
هذا الجسد,هو البيت الذي عاشت فيه,وأيضا كل حياة الإنسان
تكون مرسومة ومطبوعة علي هذا الجسد,هذا الكلام علميا
صحيح,جسد الإنسان هو كتاب حياته,يقول سفر الرؤيا يتكلم عن
يوم الدينونة:ثم رأيت عرشا عظيما أبيض والجالس عليه الذي من
وجهه هربت الأرض والسموات ولا يوجد لهما أثر (رؤ20:11-15).
فهنا يصف يوم الدينونة,وعندما يقول:الذي من
وجهه هربت السموات والأرض ولم يوجد لهما أثر,يقصد بها
السموات القريبة إلينا وهي سموات الكواكب,أما السموات العليا
أو سماء السموات فهي التي فيها العرش الإلهي فهذه لا
تفني.ثم يقول:ورأيت الأموات صغارا وكبارا واقفين أما
العرش,هنا يتكلم عن يوم الدينونة,وعندما يقول صغارا وكبارا
وضع صغارا قبل كبارا أي أن الدينونة للكل ثم يقول:وفتحت
أسفار,ودين كل واحد بحسب ما هو مكتوب في الأسفار,هنا يوجد
أسفار بالجمع,سفر الحياة واحد,إنما لماذا يقول هنا:وفتحت
أسفار ثم أن هذه الأسفار هي أساس الدينونة,ودين كل واحد
بحسب ما هو مكتوب في الأسفار أي أن هذه الأسفار مكتوب فيها
حياة الإنسان,وكلمة أسفار بالجمع تدل علي أن كل واحد فينا
له سفر,ما هو السفر؟ هل هو ورق؟ لا...إنه هو هذا
الجسد.
جسد
الإنسان هو كتاب حياته,لأن كل شئ يسجل يا أولادنا علي هذا
الجسد,أولا كلنا نعلم أن مخ الإنسان أعظم ريكوردر,لا يوجد
شئ ينسي أبدا,كل شئ مسجل,كل شئ يطبع علي هذا المخ,بدليل
أن هناك أشياء حدثت وسنك سنتان وثلاثة وتتذكرها,في أي وقت
من الأوقات,تتذكر كلمة قالها لك واحد وقد تكون هذه الكلمة
تافهة تسجلت,وكل ما تراه العين وتسمعه الأذن من انفعالات
وعواطف كلها مسجلة في هذا المخ وعلي هذه اليد,وعلي هذه
العظام كلها,حياة الإنسان علي هذا الجسد,هذا هو السبب أن
الله أرجأ الجزاء إلي ما بعد القيامة,فالعدل الإلهي يقتضي أن
هذا الجسد المرافق للروح لابد أن يكون في يوم الدينونة مع
الروح.وهذا ما قاله الكتاب المقدس قال:لابد أننا جميعا نقف
أمام كرسي المسيح للقضاء لينال كل واحد بحسب ما صنع في
الجسد خيرا كان أم شرا.هذا الجسد
زميل.
القديس
يوحنا ذهبي الفم يضرب مثلا عن أهمية الجسد وهذه قد تهمنا
الآن خصوصا ونحن نحتفل بأجساد القديسين ونتبارك بها,يقول:كان
هناك واحد ملك عنده حديقة أو كرم,وكان مفتوح الأبواب فاكتشف
سرقة الثمار فأراد أن يعرف من السارق,فأمر بغلق أبواب
الحديقة,ولكن وجد أنه مازالت الثمار تسرق,فأمر بالتفتيش علي
أي أحد يكون مختفيا,وبعد البحث لم يجدوا أحدا إلا اثنان
رجل أعمي وآخر عاجز الرجلين (مكسح),فوجد صاحب الكرم أن
الأعمي لا يمكن أن يسرق لأنه لا يري,والمكسح أيضا لا يمكن
أن يسرق لأنه لا يستطيع أن يصل للثمار,فطلب مراقبتهما,فوجدا
أن الأعمي حمل المكسح علي كتفه وبذلك تمكنا من سرقة الثمار
وبذلك اكتشف أن الأعمي له يد في السرقة وكذلك المكسح,ويقول
ذهبي الفم:إذا أردنا أن نعاقب,من نعاقب فيهما؟ الاثنان
مشتركان معا في السرقة,الأعمي كان رجلين للمكسح,والمكسح كان
عينين للأعمي,إذا الاثنان معا,هذا مثل ضربه ليشرح به
الدينونة,العينان هي الروح إنما الإنسان الأعمي هو جسد
الإنسان,إذا الإنسان كإنسان عندما يعمل الخير,يعمل الخير
بالروح والجسد,وعندما يعمل الشر يعمله بالاثنين بالروح
وبالجسد,كل أعمال الإنسان بالروح والجسد,ماعدا ما نسميه خطايا
الفكر,وحتي خطايا الفكر يحدث بسببها انفعالات في الجسد
وإفرازات وهرمونات متوازية مع حركة الفكر,الحسد والحقد والزني
الفكري,كل هذا بالفكر ولكن يحدث مع الجسد هرمونات
وإفرازات.
فيوحنا ذهبي الفم يضرب مثلا لكي يبين أن
الروح والجسد في الإنسان معا يصنعان الخير أو يعملان
الشر,إذن العدل يقتضي أن الاثنين يكونا معا في الجزاء,وهذا
هو السبب في إرجاء الجزاء إلي ما بعد القيامة العامة,وهي
التي يسمونها القيامة الثانية قيامة الأجساد,مثل ما قال سيدنا
له المجد:تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور
صوته,فيخرج الذين عملوا الصالحات إلي قيامة الحياة,والذين
عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة (يو5:29)
إذا الجسد الذي أودعناه القبر وأغلقنا عليه,في يوم القيامة
قبل الدينونة لابد أن يخرج.هذا ما يقوله السيد المسيح.إذن
الجسد لن يفني,ومهما كان لابد أن يرجع مرة أخري,قد تقول
افرض أن الإنسان غرق في البحر وأكلته الأسماك,لابد أنه في
اليوم العظيم أن هذه الأجزاء تعود وتتجمع مرة أخري,لأن عظمة
الخالق في أنه لم يخلق شيئا مثل الآخر,لا يوجد جسد إنسان
مثل جسد إنسان آخر أبدا,الإنسان الواحد,العين اليمني ليست
مثل اليسري,عظمة الخالق في التنوع,شعرة الرأس لا يوجد شعرة
مثل الأخري,فلا يوجد شعرة في إنسان مثل شعرة إنسان آخر
أبدا أبدا.
اليوم يقال شئ آخر أعظم من هذا,إنه لا
يوجد حبة قمح لها نظير في العالم كله,لا يوجد علي شجرة
واحدة ورقة مثل الثانية في الشرشرة,وفي الهندسة علي الرغم من
أنها علي شجرة واحدة,هذه عظمة الخالق,اليوم يقال لا يوجد
قلامة ظفر عصفور مثل قلامة ظفر عصفور آخر,مثل بصمة
الأصبع,كلكم تعرفون أن بصمة الأصبع شئ عظيم جدا,لا يوجد
واحد بصمته مثل الثاني أبدا في العالم كله,هذه عظمة الخالق
في التنوع.
إذن لو فرضنا أن واحدا جسمه أكله السمك,في
يوم الدينونة يجمع كله علي بعضه,أعطيك مثلا بسيطا لو عندك
كوب أو وعاء,ووضعت فيه بعض السوائل,زئبق وماء وخمر وسبرتو
وزيت,وخلطتها في بعض بملعقة,ستجدها اختلطت,انتظر قليلا تجد
الزئبق لوحده والخل لوحده والخمر لوحده,والماء لوحده,والزيت
لوحده,لماذا؟ لأنها جزيئات,فكل شئ يتجمع علي بعضه,فمن باب
أولي أجسادنا لا يوجد جسد مثل الآخر,الشئ الثاني أن الواحد
فينا بأعماله وتصرفاته يخلق فروقا أخري يختلف فيها عن
الآخر,فكل ما يراه الإنسان ويسمعه,كل انفعال,كل عاطفة ترسم
علي الجسم,الجسم الإنساني أعظم ريكوردر,كل شئ مسجل عليه,لذلك
في يوم الدينونة ويوم الحساب يقول فتحت أسفار,أسفار
بالجمع,سفر الحياة واحد,إنما هنا لماذا يقول أسفار؟ ودين -من
الدينونة- كل واحد بحسب ما هو مكتوب في الأسفار,الدينونة حسب
السفر,وهذا ما قاله سيدنا له المجد في سفر الرؤيا,أنا آتي
سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد منكم علي حسب أعماله,كل
واحد له دينونة,كل واحد له حساب,أنا لا أتحكم,أنت الإنسان
تصنع مصيرك,أنا أجازي كل واحد منكم حسب ما يكون عمله,أنت
صانع مصيرك.
فإلي جانب التنوع للخلق,لأن ربنا لم يخلق
شيئا مثل الثاني,كل واحد فينا يضيف أسبابا جديدة للتفريق
بينه وبين أي واحد آخر,وكل هذا مسجل علي هذا الجسد,تقول
واحد مات في الصحراء فتجمعت عليه طيور السماء النسر والصقور
والحدأة وأكلوه,يقول نهرو رئيس وزراء الهند بعد أن مات في
بلاد الهند حرقوا الجثة,وبطائرة نثروا هذه الذرات علي كل أرض
الهند,ونظريتهم في ذلك أنها تبارك أرض الهند بهذا
التراب,تقول ماذا يحدث يوم الدينونة؟ عظمة الخالق تجمع هذه
الذرات معا.
لذلك مثلا بعض القديسين الذين قطعت
أجسادهم,وعلي سبيل البركة أخذوا جزءا منه في هذا البلد,وجزءا
آخر في بلد ثانية وثالثة...هذه العظام أو الرفات الصغيرة
المنتشرة في كنائس العالم كله,في يوم الدينونة تتجمع مرة
أخري.
مثل
الإنسان في الوقت الحاضر عندما يعمل عملية ويقطعوا رجله لسبب
مرضي ويكتفي برجل صناعية,هذه الرجل تدفن في البلد الذي عمل
فيه العملية,واحتمال هو أصلا من بلد أخري,في يوم الدينونة
ستتجمع هذه الأجزاء المبعثرة أو التي دفنت في مكان
آخر.
لأن
هذا الإنسان روحا وجسدا سيدان,وهذا الجسد زميل للروح,فكيف
تدان الروح دون الجسد,هذا الجسد كان بيت الروح التي سكنت
فيه طوال هذه الفترة من حياتها.
هذا هو السبب لماذا نحن نكرم أجساد
القديسين,لأن هذا الجسد جسد القديس فلان,ونحن لا نؤمن بفناء
الجسد,وهذا الجسد سيبقي,طبعا سيحدث له بعض تغيرات,إنما نفس
الجسد هو هو بعينه الذي سيقوم,لأننا نقول:ننتظر قيامة
الأموات,ما معني القيامة؟ معناها أن الذي رقد سيقوم,نفس
الجسد الذي رقد هو بعينه الذي يقوم,لكن تحدث فيه بعض
التغيرات,حدة النظر عند واحد 6 / 12 وعند آخر 6 / 18,هذا الفرق
لأسباب وراثية أو أسباب ولادية,أو أنه حدث له مرض فأصيب
بالعمي وكذلك بالنسبة لباقي الأعضاء قد يصاب واحد بعاهة,أو
يقوم طبيب بعمل عملية استئصال جزء من جسمه,جسد القيامة لن
يكون فيه هذه العاهات,يسترد الجسد,النظر والسمع وكل أعضاء
جسده,هذا هو التغير الذي قال عنه الكتاب المقدس لسنا كلنا
نرقد ولكن كلنا نتغير,فالتغير لجسدنا هو هذا التغير,أن يصبح
الجسد كاملا وصحيحا من أي أمراض ومن أي
ضعف.
وسيكون
الجسد في صحة الشباب وقوة الشباب,ولا يكون فيه العيوب التي
نراها,واحد قصير أو طويل أزيد من اللزوم,جميع العيوب الناتجة
عن أسباب وراثية أو ولادية أو مرضية ستتلاشي,سيكون الجسم في
وضعه المثالي.
أيضا قد يشمل هذا التغير الجهاز الداخلي
للإنسان مثل المعدة والبنكرياس والكبد والكليتين وما إليها,لأن
هذه الأعضاء لازمة لحياتنا علي الأرض لأننا محتاجون أن نأكل
خضروات وبقولا و...إلخ ولكن في العالم الآخر سنأكل من شجرة
الحياة وهو المسيح نفسه.فمن الممكن أن هذا الجهاز الداخلي
يتغير,فلا نحتاج إلي المعدة,ولا نحتاج إلي البنكرياس وإلي
الكليتين.لأن طعامنا سيتغير سيكون هو شجرة الحياة وهو المسيح
نفسه,وهو سر القربان وسر التناول,لذلك نقول خبزنا الآتي أعطي
لنا اليوم,خبزنا الذي هو زادنا للدهر الآتي أعطينا منه
هنا,بعض الناس يقرأوها خبزنا كفافنا...لا,حسب النص اليوناني
أو حسب النص القبطي خبزنا الآتي أعطي لنا اليوم الآتي الذي
هو سيكون زادنا في الحياة الأخري أعطينا منه هنا علي
الأرض,وهو شجرة الحياة.
فممكن جدا أن التغير الذي يتكلم عنه الكتاب
يكون في الأعضاء الداخلية للإنسان,لأنه سنكون في غير حاجة
إليها,لكن المهم الجسد نفسه,وهو اللحم والعظام.سيدنا لما قام
من بين الأموات,دخل علي تلاميذه والعلية مغلقة,ولأنهم افتكروه
شبحا,قال لهم تعالوا جسوني أنا هو بنفسي فإن الروح أو
الشبح ليس له عظام ولحم كما تروني,وجسد القيامة يكون فيه
عظام ولحم,هذه مهمة جدا,نفس الجسد لأن ما يزرعه الإنسان
إياه يحصد,المهم أن تقوم كما قام المسيح,والمسيح قام بجسد
له لحم وعظام,ولذلك احتفظ بالثقوب في يديه ورجليه لكي يبرهن
علي أنه قام بذات الجسد الذي صلبوه,ولذلك قال لتوما ضع يدك
في أثر المسامير وضع يدك في جنبي ولا تكن غير مؤمن,طبعا
جسد القيامة بالنسبة لنا لن تبقي فيه هذه العاهات (أثر
المسامير),لكن المسيح بالذات عمل ذلك لكي يبرهن علي أن جسد
القيامة هو نفس الجسد الذي صلب به.
هذا هو السبب يا أولادنا لماذا
نكرم أجساد القديسين,لأن هذا الجسد أولا يحمل صفات الشخص
ومرسوم عليه أعماله,وهذا الكلام قاله بولس الرسول:حامل في
جسدي سمات الرب يسوع يقصد الضرب والجروح التي جرح بها باقية
في جسده كسمات.أي كعلامة علي تبعيته للمسيح ومن أجل
المسيح.من حكمة الله في الخلق لو حدث لأحد جرح أو عمل
عملية علي الرغم من أن كل خلايا الجسم تتغير كل سبع سنين
لكن نجد في الجسم أثرا للجرح أو أثرا للعملية تكون مثل
ندبة صغيرة في أي مكان في الجسم علي الرغم من التغيرات
الموجودة.
فجسد القيامة يحمل كل صفات الإنسان وكل
أعماله,الانفعالات,� �لعواطف,العرق,عرق الطاهر لن يكون مثل عرق
النجس,كل هذه موجودة مع الإنسان وباقية أيضا عندما تفتح
الأسفار في يوم الدينونة,والسفر عبارة عن هذا الجسد,كل شخص
أعماله مرسومة,هذا الجسد مرسوم عليه كل أعمال الإنسان وعواطفة
وانفعالاته ومشاعره وبناء عليه ستكون
الدينونة.
هذا هو السبب لماذا نحن نكرم أجساد القديسين؟
لأن هذا الجسد يحمل صفات الشخص ويحمل أعماله,وأيضا لأن الله
بلطفه وحنانه يعطي لهذه الأجساد كرامة,فنجد أن أجساد القديسين
تحدث منها معجزات,كيف؟ هذا نوع من الكرامة التي يعطيها الله
لأجساد القديسين,اللمسة التي تلمسها له تأخذ أنت بركة وتأخذ
فوائد معينة,نجدا واحدا مريضا ويلمس هذا الجسد أو هذه الرفات
أو الأنبوبة ويحصل له شفاء,علي سبيل
المعجزة.
كل
أجساد القديسين والقديسات أصبحت لها كرامة لأن فيها بركة.لهذا
كله نكرم أجساد القديسين لأن عليها أعمال هذا
القديس.
عظة ألقيت 10 نوفمبر 1991م