هاجر اسم سامى معناه " هجرة " أو " هروب " . وهو ليس اسماً مصريا . مما يُرجح معه أن إبراهيم هو الذى أطلق عليها هذا الاسم عندما خرج بها من مصر
هى شخصية ليس لها نصيب فى التقدير من كثير من قائى الكتاب وكثيرا تحامل عليها المقهورين منا نحن الاقباط للظن ان من نسلها اتى رسول الاسلام وانها هى السبب فى متاعب البعض واضطهاد البعض ولذا نجد ان من بداء فى قراءة سفر التكوين لم يلفت نظرة هذه الشخصية نظرا لان الكتاب ذكر ان سيدتها صغرت فى عينيها وهناك احداث فى حياة ابونا ابراهيم قد تجذب القارىء اكثر من اهتمامة بشخصية هاجر ولكن لنضع هذه الشخصية تحت المجهر
اولا لنتخلص من العلاقة بينها وبين العرب وقبل ان استشهد باى ايه من الكتاب دعونا نرى عبارة متداولة بيننا ان اللغة العربية من اللغات السامية اى موجودة منذ القدم فلوكان العرب اولاد اسماعيل لوجدت بعد جميع اللغات لان ملامح الغات كانت ظهرت انذاك فلابد ان تكون خليط مابين لغة ارام النهرين وهى لغة ابراهيم واولاده واللغة المصرية وهى لغة هاجر فنجد ان اللغة العربية لا هذا ولا ذاك فهى موجودة قبل اسماعيل ولو قلنا ان العرب يمتون بصلة لاسماعيل فاعتقد انهم العرب المستعربة وليس العرب العاربة وهى شمال شبه الجزيرة العربية وجنوب فلسطين وسيناء وقد وضح بولس الرسول فى رسالتة الى اهل غلاطية ( ص4 : 25 لان هاجر جبل سيناء في العربية )ان عرب سيناء فقط هم اولااد اسمعيل ولا يمتون بصلة للعرب العاربة الذين سكنوا جنوب شبه الجزيرة العربية فلفظ عربى يطلق على من يعيشون الحياة البدوية فرادى او مجموعة وقد ذكر الكتاب عن اسمعيل فى تكوين 25 اية 18 و سكنوا من حويلة الى شور التي امام مصر حينما تجيء نحو اشور امام جميع اخوته نزل وهى كما وضحنا شمال الجزيرة العربية امام جميع اخوته ونلاحظ ان تللك الاماكن لم تكن قفرا او فقيرة بل غنية جدا وذلك لاينطبق على جزيرة العرب وهذا ما يوضحه الكتاب فى قصة بيع يوسف للتجار الاسماعيليين تك 37 : 23 اذا قافلة اسماعيليين مقبلة من جلعاد و جمالهم حاملة كثيراء و بلسانا و لاذنا ذاهبين لينزلوا بها الى مصر فلايمكن ان تكون ارضهم قفرا علما بان رحلات التجارة فى الجزيرة العربية بدئت بعد الميلاد باربعة قرون مما ينفى اى علاقة ما بين اولاد اسماعيل والعرب العاربة والان بعد ان تخلصنا من هذه العلاقة ندخل سويا الى هاجر ونعرف هذه الشخصية اللتى لم يذكر الكتاب عنها سوى خطاء واحد بان صغرت سيدتها فى عينيها
اول ذكر لها فى الكتاب كان فى تك16 حيث ذكر انها مصرية ويبدو انها كانت شخصية مميزة منظمة لانها اخذت مكانا عظيما فى بيت ابو الاباء ابراهيم فكانت جنسيتها مع شخصيتها اعطتها تميزا فى هذه الضيعة الصغيرة اللتى لابينا ابراهيم
ويبدوا انها ضمن الخير الذى صنعة فرعون مع ابراهيم من اجل سارة حين ظن انها اخته تك12 فصنع الى ابرام خيرا بسببها و صار له غنم و بقر و حمير و عبيد و اماء و اتن و جمال فمن هنا بداء غنى ابراهيم فى ارض مصر بع الجوع الذى حل بالارض فجعلة ينزل الى ارض مصر ولا شك انها كانت حكيمة لانها تسلطت على بيت ابراهيم وكانت الجارية المميزة لسارة ويبدوا ان حكمتها ورثها اولاد اسمعيل انظروا ذلك الرجل الحكيم حمى موسى النبى ومشورته فى ان يقيم موسى معه قضاة من حكماء اسرائيل واضعا نظام القضاء لشعب الرب وهو من اولاد اسمعيل فى جبل سيناء خروج 17 :18 وايضا نبؤة باروخ 3 :23 و بنو هاجر ايضا المبتغون للتعقل على الارض و تجار مران و تيمان و قائلو الامثال و مبتغو التعقل لم يعرفوا طريق الحكمة و لم يتذكروا سبلها* اى ان البحث عن المعرفة كان من صفاتها فعرفت طاعة الرب ومخافته فلما لم يكن لابراهيم ولد اعطت سارة جاريتها هاجر لابراهيم لتقيم منها نسلا بعد عشر سنوات من عودتهم الى ارض كنعان ويذكر الكتاب انها حين حبلت صغرت سيدتها فى عينها تك16 : * 4 فدخل على هاجر فحبلت و لما رات انها حبلت صغرت مولاتها في عينيها* فلم ترض سارة بالوضع وهنا تسرع واضح من هاجر حيث اعطت لنفسها اكثر مما ينبغى بطموح زائد عن الحد فكانت النتيجة ان ترك ابراهيم هاجر لسارة فاذلتها تك16 : 6 ومن ثقل ذلك كله هربت هاجر من كثرة المعاناه فلاقاها ملاك الرب عند عين الماء تك 16 : 7 فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية على العين التي في طريق شور* 8 و قال يا هاجر جارية ساراي من اين اتيت و الى اين تذهبين فقالت انا هاربة من وجه مولاتي ساراي* 9 فقال لها ملاك الرب ارجعي الى مولاتك و اخضعي تحت يديها* ونلاحظ هنا ان ملاك الرب قد قاوم طموحها بان خاطبها بجارية ساراى فعرفت انها لن تتعدى ذلك ولكن الاجمل فى ذلك طاعتها لاوامر الرب وعودتها ولو عدنا الى سارة نجدها ضحكت حينما بشر ابراهيم باسحق فبينما الجارية تتطيع السيدة لاتصدق الحقيقة انى تذكرت امانة اللص اليمين فى يوم الجمعة العظيمة حينما يصرخ الكاهن قائلا التلميذ انكر واللص صرخ قائلا اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك نتذكر ايضا المراءة الكنعانية وايمانها وهى رمز لطاعة الامم للرب
فعادت الى وضعها السابق متحملة الذل من اجل الموعد فيبدوا انها فى خلال عيشتها فى بيت سيدها عرفت وعود الرب وامنت به بعكس مثلا من راؤا عمود السحاب وشق البحر و عبدوا عجلا ويبدوا ان طاعتها للرب اتت من ايدلوجيتها المصرية وهى تقديس الاله والتدين الموجود فى ثقافتها المصرية فانى اعتقد ان ثقتها فى وعود الرب عائدة للذل يحسب لها برا
ثم نجد ان الكتاب تطرق الى حمل سارة وولادة ابينا اسحق ثم عاد بان ذكر اسماعيل وهو يمزح فادى ذلك الى ان تغتاظ سارة فتطلب من ابراهيم طرد الجارية ويبدوا من ذلك انه اتت فترة معينة قد خف الذل عن هاجر مما ادى الى ان يكون اسمعيل مدلل بطريقة تجعله يمذح مع ابن الموعد واظن ان هذه الفترة هى قمة مجد هاجر فى بيت ابو الاباء حيث انها ام البكر وقد يكون اغتياظ سارة اما نابع من بقية غيرة او قد يكون مذاح اسمعيل سىء وقد ذكرت بعض التفاسير ان سارة خافت من اسمعيل لئلا يذل ولدها جنسيا فيما بعد ولكن هذا الراى لا يوجد له تاييد كتابى ويبدوا ايضا مدى تعلق ابراهيم ببكره اسمعيل لان طلب سارة بطرد اسمعيل وامه قبح فى عينيه جدا تك 21 : 8 فكبر الولد و فطم و صنع ابراهيم وليمة عظيمة يوم فطام اسحق* 9 و رات سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لابراهيم يمزح* 10 فقالت لابراهيم اطرد هذه الجارية و ابنها لان ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني اسحق* 11 فقبح الكلام جدا في عيني ابراهيم لسبب ابنه
فطمئنه الرب انه مزمع ان يجع من اسمعي لامه عظيمة ويبدوا ان تلك خطوة فى اعداد ابراهيم ان يعلم ان كل ما يطلبه الرب هو للخير حتى ينال بر الرب بتقديمة ابن الموعد اسح ذبيحة فلم يكن قرار الرب وليد اللحظة ولكن بعد تدريب كافى لابونا ابراهيم تك 21 : 12 فقال الله لابراهيم لا يقبح في عينيك من اجل الغلام و من اجل جاريتك في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها لانه باسحق يدعى لك نسل* 13 و ابن الجارية ايضا ساجعله امة لانه نسلك*
فبكر ابو الاباء حاملا هموم قبل ان يحمل قربة الماء وبعض الطعام واعطاهم لهاجر وصرفها هى وفلذة كبده وهنا لم يذكر الكتاب اى اعتراض من هاجر فى هذا القرار بل اخذت ابنها ومشت بسلام( فلا اظن ان اى كمية طعام كان ممكن تكفلى رحلة الى شمال الجزيرة مما يدحض ان اسمعيل استقر فى جنوب الجزيرة وبنى الكعبة فلم يكن الانسان عرف بيوت الالهه اصلا بل كانت تعبد الالهة فى المرتفعات ولم يكن هناك انظمة دينية الا فى مصر فقط ولم يكن الكنعانيون او ابانا ابراهيم من صانعى المنازل او الاهتمام بالبناء بل كلهم ساكنى خيام وان كان ابونا اسمعيل ذهب الى مكة وقد ذهب اليه ابو الاباء فكيف بنو بيتا وهم لايعرفون البناء ومن ساعدهم فى قطع الصخور اذا كانوا عرب مكة من اولاد اسمعيل ومن اين لهم الطمى او اللبن او ادوات قطع الصخور فى حالة بناء اى مبنى من صخر منحوت وقد ذكر التاريخ ان الكعبة بنيت قبل الاسلام بقترة وجيزة لا تتعدى جيلين او ثلاثة على الاكثر وقد قيل انه تم اعادة بنائها ولكن بدون دليل واضح لانه قد انتشرت بناء بيوت واو اكثر من كعبة فى جزيرة العرب وذلك نتيجة احتكاك العرب تجاريا بالامم المجاورة ورؤيتهم لبيوت الالهة وقد بنيت على هيئة كعبة لان العرب لم يعرفوا اشكال هندسية اكثر من اربع حوائط وسقف )
ولنعد الى بطلتنا هاجر قد نفذ طعامها ورات ابنها يذبل من العطش واذ بيد الرب الحنونة تفتقدها ويسمع الرب صوت وانين الغلام فيبدوا ان حال هاجر لا يقل عن حال اسمعيل ولكن غريزة الامومة قوتها ففتحت عينها ورائت بئر وهى بئر سبع فملائت قربتها وروت ابن موعدها وقد ذكر الكتاب ان الرب كان مع اسمعيل وسكن هو وامه فى ارض فاران واخذت له زوجة من مصر فقد حاول الكثير ان يقول ان ارض فاران هى الحجاز ولكن ان كانت هى الحجاز فيكف يحضر اسمعيل مناحة ابية فذلك مستحيل جدا فقد يصل بعد ان يتحلل جسد ابيه وكيف يتثنى لامه ان تاخذ له زوجة مصرية فلابد ان ارض فاران هى بين مصر وكنعان وهناك منطقة فى سيناء تسمى وادى فيران فالموضوع كله بعيد عن مكة
ولو نظرتم الى مكة على الخريطة تجدونها فى مقابل قرية حلايب المصرية
تك 21 :14 فبكر ابراهيم صباحا و اخذ خبزا و قربة ماء و اعطاهما لهاجر واضعا اياهما على كتفها و الولد و صرفها فمضت و تاهت في برية بئر سبع* 15 و لما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت احدى الاشجار* 16 و مضت و جلست مقابله بعيدا نحو رمية قوس لانها قالت لا انظر موت الولد فجلست مقابله و رفعت صوتها و بكت* 17 فسمع الله صوت الغلام و نادى ملاك الله هاجر من السماء و قال لها ما لك يا هاجر لا تخافي لان الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو* 18 قومي احملي الغلام و شدي يدك به لاني ساجعله امة عظيمة* 19 و فتح الله عينيها فابصرت بئر ماء فذهبت و ملات القربة ماء و سقت الغلام* 20 و كان الله مع الغلام فكبر و سكن في البرية و كان ينمو رامي قوس* 21 و سكن في برية فاران و اخذت له امه زوجة من ارض مصر
ونلاحظ فى حكمة هاجر انها اتخذت لابنها زوجة مصرية كجنسها حتى تستطيع تقريب وجهات النظر وحتى يكون لهم نفس العادات فلا تفقد او تفسد علاقتها بابنها ولم تتخذ له زوجة من بنات الكنعانيين فلها نفس سياسة ابونا ابراهيم فكما خطط ابونا ابراهيم لزواج اسحق من قومه كذلك خططت هاجر لزواج اسمعيل من قومها فيبدوا ايضا ان اسمعيل تنمى فى مدرسة طاعة امه فلو كان رجلا مستبيحا كعيسو لم يكن ينتظر اختيار امه بل كان من الممكن ان يحزن قلبها
اما هاجر فقد ظلت رمزا للعهد القديم والعبودية فطردها كان بمثابة طرح الانسان العتيق كما وضح بولس الرسول فى رسالتة الى غلاطية ص4 : 25
فتحية منى الى تللك السيدة الحكيمة المطيعة صاحبة الفكر واعتذار لها ان كانت قلوبنا قد قللت بشئنها وقد حملتها ذنب ليس ذنبها ولا دخل لها فيه
فمن منكم اخوتى يعتذر مثلى للام المثالية هاجر
