كان أحد النجارين يعمل في بناء البيوت، فطالما بنا بيوتا جميلة، ولكنه لم يكن له بيت يملكه، إذ أن مدخوله كان بالكاد يكفي لتسديد مطاليب عائلته.
كبر هذا الرجل، وأصبح له الحق في أن يتقاعد، إذ كان قد تزوج أولاده جميعا، ولم يبقى في البيت الذي يسكنه بالإيجار سواه وزوجته.
كان قد إشتغل لسنين عديدة لنفس المقاول، وكان المقاول يعرف أحوالهما المادية...
فذات يومٍ جاءه المقاول، طالبا اليه، لو كان بمقدوره أن يعمل معه معروفا أخيرا... وذلك في بناء بيت أخير.
قبل هذا النجار أن يقوم بهذا المشروع بعد أن إتفق مع المقاول على المبلغ المحدد من المال لقاء تعبه... لكن كان قد سئم العمل، وكان واضحا بأن قلبه لم يكن في ذلك العمل، فوق ذلك، بدى بأن صاحب ذلك البيت لم يأتي ولا حتى مرة واحدة ليتفقد ما يبنيه هذا النجار...
فكان هذا النجار يستخدم أرخص أنواع المواد من خشب، ومواد عازلة، وغيرها، ولم يبالي كثيرا في البناء، فقل تدقيقه في العمل، وكان همه الوحيد الإنتهاء من هذا العمل بإسرع وقت ممكن. إذ كان قد اتفق مسبقا على المبلغ المحدد لقاء أتعابه...
لدى إكتمال البيت، جاء المقاول لكي يرى ما قام به هذا النجار، وبدت على وجهه بعض علامات الحزن، لكنه لم يتفوه بأي كلمة... بل تناول من جيبه ظرفا يحتوي على مفتاحين وقدمهما لذلك النجار، قائلا له... هذا البيت هو تقدمتي لك فهو ملك لك...
صعق هذا النجار مما سمعه، هل هذا بيتي، أجابه نعم... يا للخجل... قال في نفسه، لو علمت فقط بإنني أبني هذا البيت لي، لكنت عملت به من كل قلبي... لكنت أستخدمت أفضل المواد وانواع الخشب، لكنت صرفت وقتا أكثر في بناءه، واعتنيت في كل صغيرة وكبيرة...
أليس نحن هكذا أيضا... نبني حياتنا يوما بعد يوم... فما أكثر الذين ينظرون في آخر حياتهم الى الماضي ويقولون... يا ريت... لكن لا نقدر أن نعيد الماضي... فأنا وأنت نبني كل يوم... فإما نبني أشياء لها قيمة فقط في هذا العالم... أو نبني أشياء للأبدية... فالإختيار لكل واحد منا... أرجوك صديقي أن تعمل حساباتك جيدا... إن كل شيء يبقى هنا ... فالإنسان ماض...
قال الرب يسوع...ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه... لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون... فماذا تبني...؟