منذ زمان بعيد جداً، منذ سنين كثيرة بحيث لا يمكن تذكُّر تاريخها الدقيق، عاش في قرية في جنوب البرازيل طفل صغير يبلغ عمره سبع سنوات، اسمه: ”جوسي“. وكان هذا الطفل قد فَقَدَ والديه حينما كان صغيراً جداً جداً، فتبنَّته عمته التي كان مشهوراً عنها أنها بخيلة جداً، لكن بالرغم من أنها كانت تمتلك أموالاً كثيرة، إلاَّ أنها لم تصرف أي شيء على ابن شقيقها. ولم يكن جوسي يعرف ما معني المحبة، ظنّاً منه أن هذه هي الحياة بدون المحبة، لذلك لم يكن يتضايق أبداً من هذا.
كانا (جوسي وعمته) يعيشان وسط جيران أثرياء، لكن العمة أقنعت ناظر المدرسة في المدينة أن يُلحق ابن أخيها في المدرسة مقابل عُشر المصاريف العادية، وهددته بأنها ستشكوه لحاكم المدينة إن هو رفض طلبها. ولم يكن أمام ناظر المدرسة من خيار سوى أن يوافق. إلاَّ أنه أوصى المدرسين في المدرسة أن ينتهزوا كل فرصة لإذلال جوسي على أمل أن يتصرَّف كردِّ فعل للمعاملة السيئة بما يتخذونه ذريعة لطرده من المدرسة. ولكن جوسي، لأنه لم يكن يعرف شيئاً اسمه المحبة، فظن أن هذه هي الحياة. لذلك لم يكن يتضايق أبداً من هذا.
وحلَّ عيد الميلاد. وكان كاهن القرية في إجازة، وكل تلاميذ المدرسة كان عليهم أن يذهبوا إلى كنيسة بعيدة عن القرية ليحتفلوا بعيد الميلاد.
سار الأولاد والبنات، تلاميذ المدرسة، معاً؛ يتحادثون عن الملابس الجميلة، والعرائس غالية الثمن، والشيكولاته، وألواح التزحلق، والدراجات التي يهديها لهم بابانويل في عيد الميلاد. ولأن اليوم كان عيد الميلاد، فقد كانوا كلهم يلبسون الملابس الجديدة، إلاَّ جوسي الذي كان يلبس ملابس رثة، ونفس زوج الصندل الذي يصغر مقاسه عن قدمه (لأن عمته أعطته له وهو في الرابعة من عمره، قائلة له إنها ستغيِّره بصندل جديد حينما يبلغ العاشرة من عمره).
وكان الأطفال يتساءلون فيما بينهم: لماذا هو (جوسي) فقير هكذا؟ وكانوا يقولون إنهم يأنفون أن يكون لهم صديق يرتدي مثل هذه الملابس وهذا الصندل. ولكن، لأن جوسي لم يكن يعرف أبداً شيئاً اسمه المحبة، لذلك فإن أسئلتهم وتعليقاتهم لم تكن تُضايقه أبداً.
لكن جوسي حينما ذهب إلى الكنيسة، وسمع صوت الأُرغن يعزف، ورأى الأنوار الساطعة، ونظر جموع الناس وهم في أفخر الثياب، مجتمعين معاً والوالدين يحتضنون أطفالهم؛ إذ به يحسُّ أنه أحقر شخص في هذه الخليقة.
لذلك فإنه بعد التناول من الأسرار المقدسة، وبدلاً من أن يمشي مع رفقائه عائداً إلى منزله، جلس وحيداً على درجات سُلَّم الكنيسة، وبدأ يصرخ. لم يكن يعرف أبداً ما يُسمَّى المحبة، ولكنه فقط في هذه اللحظة فَهِمَ كيف أنه وحيدٌ وبلا مُعين ومتروكاً من كل أحد.
غير أنه لاحَظ طفلاً صغيراً بجانبه، عاري القدمين، وواضحٌ أنه فقير مثله. لم يكن قد رأى هذا الطفل من قبل، فظن أنه ربما يكون قد سار على قدميه العاريتين طريقاً طويلاً ليحضر إلى الكنيسة. وأخذ يُفكِّر في نفسه:
- ”لا شكَّ أن قدميه قد تهرَّأتا. لذلك فأنا سأُعطيه واحداً من زوج الصندل الذي ألبسه. وهذا سوف يُريحه من نصف تعبه“.
ولأن جوسي لم يكن يعرف المحبة، إلاَّ أنه كان يعرف التعب، ولم يكن يريد أن الآخرين يتعبون مثله؛ ولذلك فقد أعطى واحداً من زوج الصندل الذي يلبسه للطفل العاري القدمين، وعاد إلى منزله بالفردة الأخرى. وكان يلبس فردة الصندل في قدمه اليمنى مرة، ثم يُغيِّره بلبسه في القدم اليُسرى؛ وهكذا إلى أن وصل منزله. لذلك لم تُصَبْ قدماه بالكدمات أو بالجروح من جراء الحجارة التي على الطريق.
وحالما وصل جوسي المنزل، لاحظت عمته أنه يلبس فردة واحدة من الصندل وليس فردتين. لذلك أخبرته أنه إن لم يعثر على الفردة الأخرى في اليوم التالي، فسوف يتعرَّض لأقسى العقاب.
وآوى جوسي إلى الفراش وهو يشعر بالخوف الشديد، لأنه كان يعرف كم قسوة عقاب عمته عليه. وظل طيلة الليل يرتعد من الخوف، ولم يستطع أن يغمض له جفن. ولكن بعد مدة كبيرة، وبينما كان النوم يغلبه، سمع ضوضاء في الغرفة المجاورة. واندفعت العمَّة إلى الغرفة لتعرف ماذا هناك؟! فإذا بها ترى فردة الصندل التي أعطاها جوسي للطفل العاري القدمين، موضوعة في منتصف الغرفة.
وعند هذه اللحظة، كان النهار قد بدأ يُشرق، وكان الكاهن الذي أقام القداس الإلهي في الكنيسة في الليلة الماضية، قد وصل إلى الكنيسة وهو يلهث، ذلك أنه ظهر على درجات سُلَّم الكنيسة تمثال للطفل يسوع، لم يكن موجوداً من قبل، متدثِّراً كله بالذهب، لكنه كان يلبس في قدمه فردة صندل واحدة!
وخيَّم الصمت على كل مَن كان حاضراً، ومجَّدوا الله على هذه المعجزة: ظهور هذا التمثال المُذهَّب (الذي لم يكن موجوداً من قبل). أما العمَّة التي حضرت هي الأخرى إلى الكنيسة، فقد أخذت تجهش بالبكاء، وتلتمس من الله الغفران. وأما قلب الطفل جوسي فقد امتلأ بالقوة، وبدأ يعرف معنى ”المحبة“. +
كانا (جوسي وعمته) يعيشان وسط جيران أثرياء، لكن العمة أقنعت ناظر المدرسة في المدينة أن يُلحق ابن أخيها في المدرسة مقابل عُشر المصاريف العادية، وهددته بأنها ستشكوه لحاكم المدينة إن هو رفض طلبها. ولم يكن أمام ناظر المدرسة من خيار سوى أن يوافق. إلاَّ أنه أوصى المدرسين في المدرسة أن ينتهزوا كل فرصة لإذلال جوسي على أمل أن يتصرَّف كردِّ فعل للمعاملة السيئة بما يتخذونه ذريعة لطرده من المدرسة. ولكن جوسي، لأنه لم يكن يعرف شيئاً اسمه المحبة، فظن أن هذه هي الحياة. لذلك لم يكن يتضايق أبداً من هذا.
وحلَّ عيد الميلاد. وكان كاهن القرية في إجازة، وكل تلاميذ المدرسة كان عليهم أن يذهبوا إلى كنيسة بعيدة عن القرية ليحتفلوا بعيد الميلاد.
سار الأولاد والبنات، تلاميذ المدرسة، معاً؛ يتحادثون عن الملابس الجميلة، والعرائس غالية الثمن، والشيكولاته، وألواح التزحلق، والدراجات التي يهديها لهم بابانويل في عيد الميلاد. ولأن اليوم كان عيد الميلاد، فقد كانوا كلهم يلبسون الملابس الجديدة، إلاَّ جوسي الذي كان يلبس ملابس رثة، ونفس زوج الصندل الذي يصغر مقاسه عن قدمه (لأن عمته أعطته له وهو في الرابعة من عمره، قائلة له إنها ستغيِّره بصندل جديد حينما يبلغ العاشرة من عمره).
وكان الأطفال يتساءلون فيما بينهم: لماذا هو (جوسي) فقير هكذا؟ وكانوا يقولون إنهم يأنفون أن يكون لهم صديق يرتدي مثل هذه الملابس وهذا الصندل. ولكن، لأن جوسي لم يكن يعرف أبداً شيئاً اسمه المحبة، لذلك فإن أسئلتهم وتعليقاتهم لم تكن تُضايقه أبداً.
لكن جوسي حينما ذهب إلى الكنيسة، وسمع صوت الأُرغن يعزف، ورأى الأنوار الساطعة، ونظر جموع الناس وهم في أفخر الثياب، مجتمعين معاً والوالدين يحتضنون أطفالهم؛ إذ به يحسُّ أنه أحقر شخص في هذه الخليقة.
لذلك فإنه بعد التناول من الأسرار المقدسة، وبدلاً من أن يمشي مع رفقائه عائداً إلى منزله، جلس وحيداً على درجات سُلَّم الكنيسة، وبدأ يصرخ. لم يكن يعرف أبداً ما يُسمَّى المحبة، ولكنه فقط في هذه اللحظة فَهِمَ كيف أنه وحيدٌ وبلا مُعين ومتروكاً من كل أحد.
غير أنه لاحَظ طفلاً صغيراً بجانبه، عاري القدمين، وواضحٌ أنه فقير مثله. لم يكن قد رأى هذا الطفل من قبل، فظن أنه ربما يكون قد سار على قدميه العاريتين طريقاً طويلاً ليحضر إلى الكنيسة. وأخذ يُفكِّر في نفسه:
- ”لا شكَّ أن قدميه قد تهرَّأتا. لذلك فأنا سأُعطيه واحداً من زوج الصندل الذي ألبسه. وهذا سوف يُريحه من نصف تعبه“.
ولأن جوسي لم يكن يعرف المحبة، إلاَّ أنه كان يعرف التعب، ولم يكن يريد أن الآخرين يتعبون مثله؛ ولذلك فقد أعطى واحداً من زوج الصندل الذي يلبسه للطفل العاري القدمين، وعاد إلى منزله بالفردة الأخرى. وكان يلبس فردة الصندل في قدمه اليمنى مرة، ثم يُغيِّره بلبسه في القدم اليُسرى؛ وهكذا إلى أن وصل منزله. لذلك لم تُصَبْ قدماه بالكدمات أو بالجروح من جراء الحجارة التي على الطريق.
وحالما وصل جوسي المنزل، لاحظت عمته أنه يلبس فردة واحدة من الصندل وليس فردتين. لذلك أخبرته أنه إن لم يعثر على الفردة الأخرى في اليوم التالي، فسوف يتعرَّض لأقسى العقاب.
وآوى جوسي إلى الفراش وهو يشعر بالخوف الشديد، لأنه كان يعرف كم قسوة عقاب عمته عليه. وظل طيلة الليل يرتعد من الخوف، ولم يستطع أن يغمض له جفن. ولكن بعد مدة كبيرة، وبينما كان النوم يغلبه، سمع ضوضاء في الغرفة المجاورة. واندفعت العمَّة إلى الغرفة لتعرف ماذا هناك؟! فإذا بها ترى فردة الصندل التي أعطاها جوسي للطفل العاري القدمين، موضوعة في منتصف الغرفة.
وعند هذه اللحظة، كان النهار قد بدأ يُشرق، وكان الكاهن الذي أقام القداس الإلهي في الكنيسة في الليلة الماضية، قد وصل إلى الكنيسة وهو يلهث، ذلك أنه ظهر على درجات سُلَّم الكنيسة تمثال للطفل يسوع، لم يكن موجوداً من قبل، متدثِّراً كله بالذهب، لكنه كان يلبس في قدمه فردة صندل واحدة!
وخيَّم الصمت على كل مَن كان حاضراً، ومجَّدوا الله على هذه المعجزة: ظهور هذا التمثال المُذهَّب (الذي لم يكن موجوداً من قبل). أما العمَّة التي حضرت هي الأخرى إلى الكنيسة، فقد أخذت تجهش بالبكاء، وتلتمس من الله الغفران. وأما قلب الطفل جوسي فقد امتلأ بالقوة، وبدأ يعرف معنى ”المحبة“. +