قصة حقيقية
فى الأيام الأولى لوجودنا داخل سجن المرج كان الرئيس السادات قد قام بإعتقال كثير من القيادات الدينية ، كان الجو وقتها مشحونا بالغيوم من كل ناحية ، لم يكن أحد يتوقع ما حدث . كأن الظلام قد أطبق من كل ناحية و لكن رجاءنا في السيد المسيح كان هو البصيص الوحيد للنور.
كان الآباء المحبوسون من كل أنحاء مصر، و كثير منهم لم يكن يعرف الآخر، كانت هذه الأيام الأولى تمر بطيئة ثقيلة على النفس. و كنا في الصباح الباكر في كل يوم نصحوا على صوت كنسي فيه عزاء كبير، يصلى مقتطفات من القداس الألهى، و كنا نسمعه يسبح بنغم روحي يزيح عن النفس الكمد الذي كان يشيعه جو السجن و حرس السجن. كان هذا الأب الكاهن من سوهاج ، و بمرور الأيام أصبح عمله هذا كصياح الديك في الفجر ، ينبئ دائما بإنقشاع الظلام.
كانت الزنزانة التي أقيم فيها في منتصف العنبر المكون من ثلاثة أضلاع و كان هذا الأب يقيم في زنزانة في طرف الضلع الأول، فلم تكن هناك فرصة لأتحدث عنه أو أ راه و كان الحمام الوحيد بالعنبر بجوار زنزانتى، فكان عندما يأتى عليه الدور ليستحم كنت أراه، فكان يسلم على وهو لا يعرفنى وأنا أراه من طاقة الزنزانة التي لا تزيد عن قبضة اليد .. و لأنه كان مصابا بحساسية فى الصدر سمحوا له بحمام يومي ..
كان وهو فى الحمام أيضا يصلى، و لكنه يصلى الأواشى فقط عن سلام الكنيسة و أوشية الآباء .. و لما دققت السمع فيما يصلى وجدته يقول الرئيس والجند والمشيرين نيحهم جميعا .. لم يكن أحد من الحراس أو الضباط يفهم شيئا وكان بعض الآباء يقولون آمين .. ولم يمض سوى أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب و استجاب. وبعدها إنتقلنا جميعا إلى سجن بوادى النطرون، و عشنا جميعا فى عنبر واحد، وتعرف بعضنا ببعض عن قرب شديد ، إذ قد عشنا معا عدة شهور.
فلما عرفت هذا الأب عن قرب وجدته رجلا بسيط القلب مملوء بالعاطفة. كانت نفسيته بسيطة، علاقته بالمسيح ليس فيها قلق و لا تعقيد، كان يحب المسيح من قلب بسيط كقلب طفل صغير. توطدت العلاقة بيننا جدا، و كنا كلما سرنا لبعض الوقت نتكلم عن أعمال الله و تأملنا في كلامه و وعوده الصادقة.
قال لي مرة و نحن نتكلم عن أعمال الله، أن من أعجب القصص التي عاشها في خدمته إنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر الكنيسة حتى الصباح بعد انتهاء القداس الألهى الساعة السابعة صباحا ثم ذهب لبيته ليستريح .. أيقظوه بانزعاج و قالوا له قم اعمل جنازة .. قام من نومه العميق منزعجا، و سأل من الذي مات؟ قالوا له الولد فلان .. أبن ثلاثة عشر عاما. لم يكن الولد مريضا و لكن في فجر اليوم وجدوه ميتا .. و حزن أهل الصعيد صعب وصلوات الجنازات رهيبة .. لاسيما إذا كان موت مفاجئ أو ولد صغير السن. قام الأب وهو يجمع ذهنه بعد، مغلوبا من النوم، فكأنه كان تحت تأثير مخدر .. لم يستوعب الأمر .
كان يعمل كل شيء كأنه آلة تعمل بلا إدراك، غسل وجهه و ذهب إلى الكنيسة، وجد الناس في حالة هياج و عويل. دخل هذا الكاهن الطيب ، باكيا مشاركا شعبه، وضعوا الصندوق أمامه، و كان لهم عادة في بلده أن يفتحوا الصندوق و يصلى على المتوفى و الصندوق مفتوح. صلى صلاة الشكر، ثم رفع صليبه، و بدلا من أن يصلى أوشية الراقدين، صلى أوشية المرضى بغير قصد و لا إدراك، كان كأنه مازال نائما .. و فيما هو يصلى تعهدهم بالمراحم و الرأفات .. أشفيهم، إذ بالصبى يتحرك و هو مسجى فى الصندوق .. قال: لم أصدق عينى، جسمى كله أقشعر. تجمد في مكانه و لكنه أكمل الصلاة، وزادت حركة الصبى ..
صرخ الكاهن، إنه حي، هاجت الدنيا حوله .. فكوا الولد من الأكفان .. إنه حي .. سرت موجة فرح الحياة .. إنقشعت أحزان الموت .. إنه يوم سبت النور، يوم كسر المسيح شوكة الموت. كان يحكى هذه الحادثة العجيبة، التى هى أعجب من الخيال ، و كأنه لم يكن له شأن فيها ، بل كان متفرجا ومندهشا، لم يكن الرجل ينسب لنفسه شيئا و لم تكن نفسه محسوبة فى نفسه شيئا، و لكن الواقع إنه كان رجل الله .. و قد إنضم إلى مصاف الكهنة السمائيين وأنتقل من هذا العالم الزائل بعد أن خرج من السجن بسنوات قليلة. أرتقت روحه المسبحة إلى طغمة الذين يسبحون الرب بلا سكوت و بلا فتور.
أخطأ الكاهن فى الصلاة .. فعاد الميت للحياة
يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين :
يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين :
فى الأيام الأولى لوجودنا داخل سجن المرج كان الرئيس السادات قد قام بإعتقال كثير من القيادات الدينية ، كان الجو وقتها مشحونا بالغيوم من كل ناحية ، لم يكن أحد يتوقع ما حدث . كأن الظلام قد أطبق من كل ناحية و لكن رجاءنا في السيد المسيح كان هو البصيص الوحيد للنور.
كان الآباء المحبوسون من كل أنحاء مصر، و كثير منهم لم يكن يعرف الآخر، كانت هذه الأيام الأولى تمر بطيئة ثقيلة على النفس. و كنا في الصباح الباكر في كل يوم نصحوا على صوت كنسي فيه عزاء كبير، يصلى مقتطفات من القداس الألهى، و كنا نسمعه يسبح بنغم روحي يزيح عن النفس الكمد الذي كان يشيعه جو السجن و حرس السجن. كان هذا الأب الكاهن من سوهاج ، و بمرور الأيام أصبح عمله هذا كصياح الديك في الفجر ، ينبئ دائما بإنقشاع الظلام.
كانت الزنزانة التي أقيم فيها في منتصف العنبر المكون من ثلاثة أضلاع و كان هذا الأب يقيم في زنزانة في طرف الضلع الأول، فلم تكن هناك فرصة لأتحدث عنه أو أ راه و كان الحمام الوحيد بالعنبر بجوار زنزانتى، فكان عندما يأتى عليه الدور ليستحم كنت أراه، فكان يسلم على وهو لا يعرفنى وأنا أراه من طاقة الزنزانة التي لا تزيد عن قبضة اليد .. و لأنه كان مصابا بحساسية فى الصدر سمحوا له بحمام يومي ..
كان وهو فى الحمام أيضا يصلى، و لكنه يصلى الأواشى فقط عن سلام الكنيسة و أوشية الآباء .. و لما دققت السمع فيما يصلى وجدته يقول الرئيس والجند والمشيرين نيحهم جميعا .. لم يكن أحد من الحراس أو الضباط يفهم شيئا وكان بعض الآباء يقولون آمين .. ولم يمض سوى أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب و استجاب. وبعدها إنتقلنا جميعا إلى سجن بوادى النطرون، و عشنا جميعا فى عنبر واحد، وتعرف بعضنا ببعض عن قرب شديد ، إذ قد عشنا معا عدة شهور.
فلما عرفت هذا الأب عن قرب وجدته رجلا بسيط القلب مملوء بالعاطفة. كانت نفسيته بسيطة، علاقته بالمسيح ليس فيها قلق و لا تعقيد، كان يحب المسيح من قلب بسيط كقلب طفل صغير. توطدت العلاقة بيننا جدا، و كنا كلما سرنا لبعض الوقت نتكلم عن أعمال الله و تأملنا في كلامه و وعوده الصادقة.
قال لي مرة و نحن نتكلم عن أعمال الله، أن من أعجب القصص التي عاشها في خدمته إنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر الكنيسة حتى الصباح بعد انتهاء القداس الألهى الساعة السابعة صباحا ثم ذهب لبيته ليستريح .. أيقظوه بانزعاج و قالوا له قم اعمل جنازة .. قام من نومه العميق منزعجا، و سأل من الذي مات؟ قالوا له الولد فلان .. أبن ثلاثة عشر عاما. لم يكن الولد مريضا و لكن في فجر اليوم وجدوه ميتا .. و حزن أهل الصعيد صعب وصلوات الجنازات رهيبة .. لاسيما إذا كان موت مفاجئ أو ولد صغير السن. قام الأب وهو يجمع ذهنه بعد، مغلوبا من النوم، فكأنه كان تحت تأثير مخدر .. لم يستوعب الأمر .
كان يعمل كل شيء كأنه آلة تعمل بلا إدراك، غسل وجهه و ذهب إلى الكنيسة، وجد الناس في حالة هياج و عويل. دخل هذا الكاهن الطيب ، باكيا مشاركا شعبه، وضعوا الصندوق أمامه، و كان لهم عادة في بلده أن يفتحوا الصندوق و يصلى على المتوفى و الصندوق مفتوح. صلى صلاة الشكر، ثم رفع صليبه، و بدلا من أن يصلى أوشية الراقدين، صلى أوشية المرضى بغير قصد و لا إدراك، كان كأنه مازال نائما .. و فيما هو يصلى تعهدهم بالمراحم و الرأفات .. أشفيهم، إذ بالصبى يتحرك و هو مسجى فى الصندوق .. قال: لم أصدق عينى، جسمى كله أقشعر. تجمد في مكانه و لكنه أكمل الصلاة، وزادت حركة الصبى ..
صرخ الكاهن، إنه حي، هاجت الدنيا حوله .. فكوا الولد من الأكفان .. إنه حي .. سرت موجة فرح الحياة .. إنقشعت أحزان الموت .. إنه يوم سبت النور، يوم كسر المسيح شوكة الموت. كان يحكى هذه الحادثة العجيبة، التى هى أعجب من الخيال ، و كأنه لم يكن له شأن فيها ، بل كان متفرجا ومندهشا، لم يكن الرجل ينسب لنفسه شيئا و لم تكن نفسه محسوبة فى نفسه شيئا، و لكن الواقع إنه كان رجل الله .. و قد إنضم إلى مصاف الكهنة السمائيين وأنتقل من هذا العالم الزائل بعد أن خرج من السجن بسنوات قليلة. أرتقت روحه المسبحة إلى طغمة الذين يسبحون الرب بلا سكوت و بلا فتور.
بركته فلتكن مع جميعنا آمين