فن البانتومايم
حينما تعجز لغة الكلام عن توصيل معنى معين او مفردة غير متداولة حينذاك تبرز لنا لغة جديدة ذات مساحة واسعة جدا تصل الى حد توحيد لغات العالم كما هي الموسيقى واللوحة التشكيلية.. انها لغة الجسد او فن البانتومايم (pantomime) وتمتد جذور مسرح البانتومايم عميقا في التاريخ ففي العصر الروماني كان لفظ ال«بانتومايم» يطلق على الممثل المسرحي الذي يقوم بتمثيل قصة اسطورية عن طريق الحركات والايماءات الجسدية فقط دون اللجوء الى الكلام او الحوار التقليدي، ويعد الراقص الاسطوري اليوناني «تليست» هو اول ممثل لفن البانتومايم حيث عمل مع الكاتب المسرحي اشحيليوس في مسرحية «سبعة ضد طيبة» ولا يمكن اغفال الدور المهم للمثل الكبير «لوسيان سوماستا» للمدة من «۱۲۵-۱۹۰م» وبالرغم من العمق التاريخي لهذا الفن الا ان مساحة تطبيقه في العالم كانت ضيقة اذا ما قيست بالمسرح التقليدي او الفنون الاخرى، وتبقى الفرق الفرنسية واليابانية والصينية هي الابرز في هذا المجال ويبقى الممثل الفرنسي الكبير «مارسيل مارسو» هو الابرز والافضل في هذا الاختصاص الصعب لكونه يمتلك قدرة بدنية وجسدية عالية جدا ويمتلك مطاطية بلاستيكية لافتة كأن جسده خاليا من العظام تماما، هذا بالاضافة الا ما يمتلكه من خيال خصب يعينه كثيرا على رسم الاحداث واستطاع هذا الممثل الكبير ان يعطي الكثير لفن «البانتومايم» وخرج من مدرسته مجموعة رائعة من الممثلين البارزين ولعل اشهرهم الممثل «آميل» الذي تخصص في تمثيل اللوحات المسرحية المستقلة او المشاهد المسرحية القصيرة فمثل حركة الشمبازي وحركة الضفدعة بارجلها الطويلة وحركة الافعى المتمايلة وحركات بعض الطيور التي تمتلك مرونة جسدية.
اما في العراق فظلت تجربة «البانتومايم» محصورة جدا ولا تتعدى بعض المحاولات الفردية الجادة ففي فترة السبعينات استطاع الفنان جاسم العبودي ان يطور ويوسع قليلا من دائرة هذا الفن الا ان المحاولات ظلت خجولة في هذا الفن وبرزت بعض الطاقات المتميزة ولعل اهمها هو الفنان الراحل محسن الشيخ الذي برز في نهاية الثمانينات حيث كان يمتلك قدرات جيدة في هذا المجال واستطاع ان يقدم العديد من الاعمال التلفزيونية «التعليمية» والمسرحية ومن اهم هذه الاعمال مسرحية «محاولة القبض على الصدفة» مع الفنانة سهير أياد التي كانت سعيدة جدا للعمل مع الشيخ لمعرفتها المسبقة بامكانياته الاخراجية فقد كان مراقبا دقيقا لنحت الجسد وتعبيرات الوجه وله فهم وادراك وحس عميق، وخلال هذه الفترة كانت تبرز بعض الاسماء الشابة ولكن على صعيد ضيق، وفي نهاية السبعينات برزت بشكل كبير مجموعة الفنان التشكيلي والمسرحي عماد نافع الذي استطاع ان يترك بصمة جيدة في الحركتين التشكيلية والمسرحية بعد عرضه لتجربة «الفضاء السابع» التي تنتمي لل«مستشكيل» استطاع نافع ان يحرر شخوص لوحاته التشكيلية التي تحولت الى ابطال مسرحية درامية تؤدي مشاهد مسرحيته مكملة الى فكرة اللوحة الزيتية الام هذه التجربة اعتبرت الاولى على الصعيد العربي والعالمي هذا ما اكده خبراء التشكيل والمسرح ولعل من اهم الاراء التي قيلت في هذه التجربة كانت للفنان والناقد العالمي «عز الدين نجيب» الذي قال: ابهرتني هذه التجربة الابداعية المدهشة للفنان الرائع عماد نافع وهي تنقلني عبر فضاءاتها العشر «وان اتخذت عنوان الفضاء السابع» الى رؤى اسطورية تصب في صميم الملحمة الانسانية والصراع الابدي بين الخير والشر، والاضافة الخلاقة هي ادخال اللوحة التشكيلية كبطل مسرحي يتكامل مع الابطال البشر بلغة الجسد، انها حالة من التحرر من كافة القيود، وامتلاك الحلم لتغيير الواقع وفهم فريق نافع مجموعة مهمة من المبدعين الشباب وفي المقدمة منهم الفنان حازم الحربي الذي استطاع ان يجسد دور الشر بشكل لافت مع زميله الفنان احمد عبد الجبار بالاضافة الى لمسات التشكيليتين الشقيقتين زينب واسماء بكر والمبدعون مسار عباس واياد نافع وربيع الشطري وايناس ويحسب للفنان عماد نافع تواصله الحقيقي في هذا المجال اذا استطاع ان ينظم ورشتين عمل مسرحي لفن البانتومايم ضمت الورشة الاولى «۶۰» شابا ومن الجنسين واغلبهم جاؤوا من خارج الوسط الفني واستطاعوا بعد تخرجهم من الورشة ان يكونوا مشاريع فنية واعدة.
واستطاع الفنان طلعت السماوي ان يحقق له حضورا طيبا في مجال البانتومايم على صعيد التأليف والاخراج والتمثيل ولعل عمله «يعد الطوفان ۲۰۰۳» الذي عرض نهاية «۲۰۰۴» على قاعة المسرح الوطني خير شاهد على ما نقول اذا استطاع ان يوظف الصليب كاشارة للمقابر الجماعية التي طالت جميع شرائح المجتمع العراقي دون استثناء.. وتبقى هذه المحاولات رغم قلتها تشكل بداية انطلاقة حقيقية سيكون لها شأن مؤثر في الحركة المسرحية العالمية في المستقبل القريب.
__________________
حينما تعجز لغة الكلام عن توصيل معنى معين او مفردة غير متداولة حينذاك تبرز لنا لغة جديدة ذات مساحة واسعة جدا تصل الى حد توحيد لغات العالم كما هي الموسيقى واللوحة التشكيلية.. انها لغة الجسد او فن البانتومايم (pantomime) وتمتد جذور مسرح البانتومايم عميقا في التاريخ ففي العصر الروماني كان لفظ ال«بانتومايم» يطلق على الممثل المسرحي الذي يقوم بتمثيل قصة اسطورية عن طريق الحركات والايماءات الجسدية فقط دون اللجوء الى الكلام او الحوار التقليدي، ويعد الراقص الاسطوري اليوناني «تليست» هو اول ممثل لفن البانتومايم حيث عمل مع الكاتب المسرحي اشحيليوس في مسرحية «سبعة ضد طيبة» ولا يمكن اغفال الدور المهم للمثل الكبير «لوسيان سوماستا» للمدة من «۱۲۵-۱۹۰م» وبالرغم من العمق التاريخي لهذا الفن الا ان مساحة تطبيقه في العالم كانت ضيقة اذا ما قيست بالمسرح التقليدي او الفنون الاخرى، وتبقى الفرق الفرنسية واليابانية والصينية هي الابرز في هذا المجال ويبقى الممثل الفرنسي الكبير «مارسيل مارسو» هو الابرز والافضل في هذا الاختصاص الصعب لكونه يمتلك قدرة بدنية وجسدية عالية جدا ويمتلك مطاطية بلاستيكية لافتة كأن جسده خاليا من العظام تماما، هذا بالاضافة الا ما يمتلكه من خيال خصب يعينه كثيرا على رسم الاحداث واستطاع هذا الممثل الكبير ان يعطي الكثير لفن «البانتومايم» وخرج من مدرسته مجموعة رائعة من الممثلين البارزين ولعل اشهرهم الممثل «آميل» الذي تخصص في تمثيل اللوحات المسرحية المستقلة او المشاهد المسرحية القصيرة فمثل حركة الشمبازي وحركة الضفدعة بارجلها الطويلة وحركة الافعى المتمايلة وحركات بعض الطيور التي تمتلك مرونة جسدية.
اما في العراق فظلت تجربة «البانتومايم» محصورة جدا ولا تتعدى بعض المحاولات الفردية الجادة ففي فترة السبعينات استطاع الفنان جاسم العبودي ان يطور ويوسع قليلا من دائرة هذا الفن الا ان المحاولات ظلت خجولة في هذا الفن وبرزت بعض الطاقات المتميزة ولعل اهمها هو الفنان الراحل محسن الشيخ الذي برز في نهاية الثمانينات حيث كان يمتلك قدرات جيدة في هذا المجال واستطاع ان يقدم العديد من الاعمال التلفزيونية «التعليمية» والمسرحية ومن اهم هذه الاعمال مسرحية «محاولة القبض على الصدفة» مع الفنانة سهير أياد التي كانت سعيدة جدا للعمل مع الشيخ لمعرفتها المسبقة بامكانياته الاخراجية فقد كان مراقبا دقيقا لنحت الجسد وتعبيرات الوجه وله فهم وادراك وحس عميق، وخلال هذه الفترة كانت تبرز بعض الاسماء الشابة ولكن على صعيد ضيق، وفي نهاية السبعينات برزت بشكل كبير مجموعة الفنان التشكيلي والمسرحي عماد نافع الذي استطاع ان يترك بصمة جيدة في الحركتين التشكيلية والمسرحية بعد عرضه لتجربة «الفضاء السابع» التي تنتمي لل«مستشكيل» استطاع نافع ان يحرر شخوص لوحاته التشكيلية التي تحولت الى ابطال مسرحية درامية تؤدي مشاهد مسرحيته مكملة الى فكرة اللوحة الزيتية الام هذه التجربة اعتبرت الاولى على الصعيد العربي والعالمي هذا ما اكده خبراء التشكيل والمسرح ولعل من اهم الاراء التي قيلت في هذه التجربة كانت للفنان والناقد العالمي «عز الدين نجيب» الذي قال: ابهرتني هذه التجربة الابداعية المدهشة للفنان الرائع عماد نافع وهي تنقلني عبر فضاءاتها العشر «وان اتخذت عنوان الفضاء السابع» الى رؤى اسطورية تصب في صميم الملحمة الانسانية والصراع الابدي بين الخير والشر، والاضافة الخلاقة هي ادخال اللوحة التشكيلية كبطل مسرحي يتكامل مع الابطال البشر بلغة الجسد، انها حالة من التحرر من كافة القيود، وامتلاك الحلم لتغيير الواقع وفهم فريق نافع مجموعة مهمة من المبدعين الشباب وفي المقدمة منهم الفنان حازم الحربي الذي استطاع ان يجسد دور الشر بشكل لافت مع زميله الفنان احمد عبد الجبار بالاضافة الى لمسات التشكيليتين الشقيقتين زينب واسماء بكر والمبدعون مسار عباس واياد نافع وربيع الشطري وايناس ويحسب للفنان عماد نافع تواصله الحقيقي في هذا المجال اذا استطاع ان ينظم ورشتين عمل مسرحي لفن البانتومايم ضمت الورشة الاولى «۶۰» شابا ومن الجنسين واغلبهم جاؤوا من خارج الوسط الفني واستطاعوا بعد تخرجهم من الورشة ان يكونوا مشاريع فنية واعدة.
واستطاع الفنان طلعت السماوي ان يحقق له حضورا طيبا في مجال البانتومايم على صعيد التأليف والاخراج والتمثيل ولعل عمله «يعد الطوفان ۲۰۰۳» الذي عرض نهاية «۲۰۰۴» على قاعة المسرح الوطني خير شاهد على ما نقول اذا استطاع ان يوظف الصليب كاشارة للمقابر الجماعية التي طالت جميع شرائح المجتمع العراقي دون استثناء.. وتبقى هذه المحاولات رغم قلتها تشكل بداية انطلاقة حقيقية سيكون لها شأن مؤثر في الحركة المسرحية العالمية في المستقبل القريب.
__________________