محبة الله ومخافته
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
حدثتكم كثيرا عن المحبة المتبادلة بين الله والإنسان, حتي تحولت تلك الأحاديث إلي كتاب كبير. وأود اليوم أن أكمل موضوعنا بأحاديث أخري عن:
نعم, أري من واجبي أن أتحدث عن المخافة, كما تحدثت من قبل عن المحبة.
ذلك لأن البعض باسم المحبة يفقدون المخافة وباسم الدالة التي بينهم وبين الله يتحولون إلي الاستهتار واللامبالاة, ويقولون إن الله في محبته يغفر كل شئ, وفي محبته لا يطالبنا إلا بالقلب فقط, ولا تهمه أعمالنا مهما كانت خاطئة!!.
فهل محبتنا لله تعني مخافته؟! وهل هناك تعارض بين المخافة والمحبة؟ وهل الذي وصل إلي المحبة, تكون مرحلة المخافة قد انتهت من حياته تماما؟ هذا هو ما نريد أن نتحدث عنه اليوم..
قد نحب الله, ولكن هذه المحبة لا تمنع المخافة, بل توجبها.
حقا لقد قال الكتاب إنه: لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج (1يو4:28). ولكن أريد أن أسألكم سؤالا صريحا:
من منا قد وصل إلي هذه المحبة الكاملة؟!
لا أحد. وحتي إن كان أحد قد وصل إلي هذه المحبة الكاملة من نحو الله, فإنه ينزع منه الخوف بمعني الرعب, ولكن لا ينزع منه المهابة. ولذلك فإن الآباء استعملوا كلمتين: الخوف والمخافة.
الخوف بمعني الرعب, تنزعه المحبة, أما المخافة بمعني المهابة. فتبقي.
إن المهابة والخشية والتوقير والإجلال, أمور لازمة في علاقتنا بالله.. والسيد المسيح عندما انتقد قاضي الظلم, قال إنه رجل لا يخاف الله, ولا يهاب إنسانا.
والكتاب يقول: رأس الحكمة مخافة الله.
من من الناس أنقي من الملائكة, أو أكثر منهم حبا لله, وبخاصة الكاروبيم والسارافيم.. ومع ذلك نسمع أنهم أمام الله بجناحين يغطون وجوههم, وبجناحين يغطون أرجلهم. وذلك من فرط مهابتهم لله وتوقيرهم لجلاله الأقدس.
رأينا هذه المهابة, عندما ظهر الرب في الهيكل, وحوله السارافيم يصرخون قائلين: قدوس قدوس قدوس, رب الجنود, مجده ملء الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ, وامتلأ البيت دخانا. وإذا بإشعياء النبي يقول: ويل لي, قد هلكت. لإني إنسان نجس الشفتين.. لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود (إش6:1 - .
نعم, إنه عندما يقترب الإنسان إلي الله, يشعر هذا الإنسان أنه نجس, ويخاف, ويقول: ويل لي قد هلكت.
هذه المهابة طلبها الله منا, ولامنا علي نقصها, بقوله: إن كنت سيدا فأين مهابتي, وإن كنت أبا فأين كرامتي؟.
وعندما تراءي الرب لموسي النبي في البرية, في العليقة, قال الرب لموسي: لا تقترب إلي هنا. اخلع حذاءك من رجليك, لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة (خر3:5).
إذن فهذه المهابة ليست لله فقط, وإنما لمواضعه أيضا..
إن يعقوب أب الآباء, عندما رأي في حلم سلما واصلا بين السماء والأرض, وملائكة الله صاعدة ونازلة عليه, وسمع هناك من الرب بركة ومواعيد.. حينئذ لما استيقظ يعقوب, قال: حقا إن الرب في هذا المكان, وأنا لم أعلم.. وماذا أيضا؟
وخاف. وقال: ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله, وهذا باب السماء (تك28:17).
ما أرهب هذا المكان! حقا, إن بيت الرب رهيب, ندخله بمخافة, ونحن شاعرون بعدم استحقاقنا لدخوله, إذ أنه: ببيتك تليق القداسة يارب ونحن خطاة.. لذلك فعندما ندخل بيت الرب, تملكنا المخافة والرهبة, فنقول مع داود:
وأما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلي بيتك, وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك.
وأما العشار, فإنه لم يجرؤ أن يتقدم إلي الداخل, وإنما وقف من بعيد. ولم يجرؤ أن يرفع نظره إلي السماء, وإنما قرع صدره في مذلة, وطلب المغفرة كخاطئ..
وعبارة أسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك يقولها الأب الكاهن في كل مرة يخرج بالبخور من الهيكل.
وعبارة المخافة نقولها في صلاة الشكر التي تبدأ بها كل صلاة.
وذلك حينما نقول: امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس, وكل أيام حياتنا, بكل سلام مع مخافتك. فإن كانت المحبة تنزع منا هذه المخافة, فلماذا نطلبها إذن في كل صلاة؟!.
بل ما أكثر ترديدنا لعبارة المخافة في صلواتنا الطقسية..
فعند قراءة الإنجيل, يصرخ الشماس قائلا: قفوا بخوف من الله, وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس. ويرفع رئيس الكهنة تاجه من رأسه, ويقف أمام الله في مخافة يقرأ الإنجيل, ويستمع الشعب في رهبة وهم وقوف: اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة..
وعند حلول الروح القدس, يصرخ الشماس قائلا:
اسجدوا لله, بخوف ورعدة.
حقا إن الوقوف أمام الله, وكذلك السجود, هو لون من المهابة والتوقير والمخافة, حينما تلتصق رؤوسنا بالأرض بالتراب, بل كما يقول داود النبي: لصقت بالتراب نفسي.
هذه المهابة والمخافة وهذا السجود يظهر واضحا في سفر الرؤيا وكمثال له الأربعة والعشرون قسيسا (رؤ4:10).
هؤلاء الأربعة والعشرون كاهنا, يمثلون كل عظمة الكهنوت, ويجلسون حول العرش في ثياب بيض, وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب.. ومع ذلك لما تعطي الحيوانات الأربعة مجدا وكرامة للجالس علي العرش يخر الأربعة والعشرون قسيسا قدام الجالس علي العرش, ويسجدون.. ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة..
إبراهيم أبو الآباء والأنبياء, الذي كانت له دالة كبيرة مع الله, حتي قال الرب: هل أحرق سادوم, وأخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله!. إبراهيم هذا لما وقف يتحدث إلي الله, ملكته المهابة والخشية, فقال: شرعت أن أكلم المولي, وأنا تراب ورماد.. لا يسخط المولي فأتكلم (تك18:27, 32).
يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ علي صدر المسيح, وأكثر الرسل حبا لله, عندما رأي الرب في سفر الرؤيا, يقول: وقعت عند قدميه كميت (رؤ1:17).
أتري توجد ومخافة في الحب أكثر من هذه؟!
وفي سكني الرب وسط شعبه, كانت المهابة محفوظة مع الحب..
سكني الله وسط الناس كانت دليلا علي الحب, فكانت خيمة الرب وسط خيامهم. ومع ذلك كان هناك بعد مناسب, ثم خيام الكهنة واللاويين..وبعد ذلك خيام سائر الناس..
وحتي الآن كان الناس يخافون السكني إلي جوار الكنيسة, مهابة وخوفا, لئلا يخطئوا إلي جوار موضع مقدس..
وقد منعنا سكني القرابني والقيم والعريف, وحتي الكاهن, داخل الكنيسة, لكي نحفظ هيبة بيت الرب, فلا يكون مجالا للحياة العائلية العادية, ويفقد قدسيته ومهابته..
لهذا, فإننا للأسف الشديد نجد أن كثيرا من الشمامسة الصغار, وخدام المذبح, لكثرة دخولهم الهيكل وخروجهم منه, يفقدون أحيانا خشيتهم له, ويتكلمون حتي في أقدس الأوقات.. ولكثرة دخول الناس في الهيكل, بمن في ذلك المصورون والمسجلون, ما أسهل أن تفقد قدسية المكان وهيبته, ويعامل من الناس كموضع عادي..
لهذا ينبغي للمحبة ألا تفقدنا المخافة والهيبة فالسيد المسيح الذي دعانا للحب, دعانا للمخافة أيضا:
إنه يقول: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد, وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر. بل أريكم ممن تخافون. خافوا من الذي بعدما يقتل, له سلطان أن يلقي في جهنم. نعم أقول لكم من هذا خافوا (لو12:4, 5).
إن الذي يسلك في مخافة الله, يمكنه أن يصل إلي انسحاق القلب والاتضاع. وبهذا تنسكب المحبة في قلبه من الروح القدس, وبالمخافة يعيش في حياة الحرص وحياة التدقيق..
أما الذي يسلك بالدالة بلا خوف, فإنه قد يفقد حرصه وتدقيقه وربما يصل إلي الاستهتار واللامبالاة.
إننا في صلواتنا نقول للرب: اسمك العظيم المخوف. ونقول عن مجيئه الثاني: المخوف المملوء مجدا.
إن مخافة الله حافظة لنا من السقوط, وتملأ قلوبنا بشعور الإجلال والتوقير للذات الإلهية, وتعطينا ينابيع من الحرص والتدقيق.
إن كثيرين من الذين تركوا المخافة, وصلوا إلي كبرياء القلب, وإلي قساوة القلب. ولم يرتفعوا إلي مستوي أعلي من المخافة, بل هبطوا إلي مستوي الاستهتار ولم يشعروا بفداحة الخطية.
إذن عيشوا في الحب, وفي مهابة الرب أيضا..
أحبوا الرب من كل قلوبكم, وأيضا وقروه وهابوه من كل قلوبكم, وانسحقوا أمامه.. ومهما فعلتم كل ما أمرتم به, قولوا إننا عبيد بطالون.
وأنصتوا إلي قول بولس الرسول:
لا تستكبر بل خف.
هوذا لطف الله وصرامته. وأما الصرامة فعلي الذين سقطوا, وأما اللطف فلك أن ثبت في اللطف, وإلا فأنت أيضا ستقطع. (رؤ11:20 - 22).
وبعد يا إخوتي, إن موضوع المخافة هو موضوع طويل ومهم. وله علاقة بكثير من الفضائل:
له علاقة بالتوبة, وبالحرص في سلوكيات الحياة..
وله علاقة بالاتضاع وبلوم النفس وانسحاق القلب..
وله علاقة بالخشوع اللازم في علاقتنا مع الله, واللازم لنا في الصلاة وفي كل ألوان العبادة.
وقد تحدث عنه القديسون في كتاباتهم الروحية, وفيما اقتبسوه من روح الكتاب..
وأود أن أكمل معكم موضوع المخافة بشئ من التفاصيل. نشرح فيه أولا ما معني المخافة.. وما لزومها؟ وما علاقتها بالمحبة؟ وما علاقتها بباقي الفضائل؟ وماذا قال القديسون عن هذا كله..
وإلي لقاء آخر, إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
حدثتكم كثيرا عن المحبة المتبادلة بين الله والإنسان, حتي تحولت تلك الأحاديث إلي كتاب كبير. وأود اليوم أن أكمل موضوعنا بأحاديث أخري عن:
نعم, أري من واجبي أن أتحدث عن المخافة, كما تحدثت من قبل عن المحبة.
ذلك لأن البعض باسم المحبة يفقدون المخافة وباسم الدالة التي بينهم وبين الله يتحولون إلي الاستهتار واللامبالاة, ويقولون إن الله في محبته يغفر كل شئ, وفي محبته لا يطالبنا إلا بالقلب فقط, ولا تهمه أعمالنا مهما كانت خاطئة!!.
فهل محبتنا لله تعني مخافته؟! وهل هناك تعارض بين المخافة والمحبة؟ وهل الذي وصل إلي المحبة, تكون مرحلة المخافة قد انتهت من حياته تماما؟ هذا هو ما نريد أن نتحدث عنه اليوم..
قد نحب الله, ولكن هذه المحبة لا تمنع المخافة, بل توجبها.
حقا لقد قال الكتاب إنه: لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج (1يو4:28). ولكن أريد أن أسألكم سؤالا صريحا:
من منا قد وصل إلي هذه المحبة الكاملة؟!
لا أحد. وحتي إن كان أحد قد وصل إلي هذه المحبة الكاملة من نحو الله, فإنه ينزع منه الخوف بمعني الرعب, ولكن لا ينزع منه المهابة. ولذلك فإن الآباء استعملوا كلمتين: الخوف والمخافة.
الخوف بمعني الرعب, تنزعه المحبة, أما المخافة بمعني المهابة. فتبقي.
إن المهابة والخشية والتوقير والإجلال, أمور لازمة في علاقتنا بالله.. والسيد المسيح عندما انتقد قاضي الظلم, قال إنه رجل لا يخاف الله, ولا يهاب إنسانا.
والكتاب يقول: رأس الحكمة مخافة الله.
من من الناس أنقي من الملائكة, أو أكثر منهم حبا لله, وبخاصة الكاروبيم والسارافيم.. ومع ذلك نسمع أنهم أمام الله بجناحين يغطون وجوههم, وبجناحين يغطون أرجلهم. وذلك من فرط مهابتهم لله وتوقيرهم لجلاله الأقدس.
رأينا هذه المهابة, عندما ظهر الرب في الهيكل, وحوله السارافيم يصرخون قائلين: قدوس قدوس قدوس, رب الجنود, مجده ملء الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ, وامتلأ البيت دخانا. وإذا بإشعياء النبي يقول: ويل لي, قد هلكت. لإني إنسان نجس الشفتين.. لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود (إش6:1 - .
نعم, إنه عندما يقترب الإنسان إلي الله, يشعر هذا الإنسان أنه نجس, ويخاف, ويقول: ويل لي قد هلكت.
هذه المهابة طلبها الله منا, ولامنا علي نقصها, بقوله: إن كنت سيدا فأين مهابتي, وإن كنت أبا فأين كرامتي؟.
وعندما تراءي الرب لموسي النبي في البرية, في العليقة, قال الرب لموسي: لا تقترب إلي هنا. اخلع حذاءك من رجليك, لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة (خر3:5).
إذن فهذه المهابة ليست لله فقط, وإنما لمواضعه أيضا..
إن يعقوب أب الآباء, عندما رأي في حلم سلما واصلا بين السماء والأرض, وملائكة الله صاعدة ونازلة عليه, وسمع هناك من الرب بركة ومواعيد.. حينئذ لما استيقظ يعقوب, قال: حقا إن الرب في هذا المكان, وأنا لم أعلم.. وماذا أيضا؟
وخاف. وقال: ما أرهب هذا المكان! ما هذا إلا بيت الله, وهذا باب السماء (تك28:17).
ما أرهب هذا المكان! حقا, إن بيت الرب رهيب, ندخله بمخافة, ونحن شاعرون بعدم استحقاقنا لدخوله, إذ أنه: ببيتك تليق القداسة يارب ونحن خطاة.. لذلك فعندما ندخل بيت الرب, تملكنا المخافة والرهبة, فنقول مع داود:
وأما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلي بيتك, وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك.
وأما العشار, فإنه لم يجرؤ أن يتقدم إلي الداخل, وإنما وقف من بعيد. ولم يجرؤ أن يرفع نظره إلي السماء, وإنما قرع صدره في مذلة, وطلب المغفرة كخاطئ..
وعبارة أسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك يقولها الأب الكاهن في كل مرة يخرج بالبخور من الهيكل.
وعبارة المخافة نقولها في صلاة الشكر التي تبدأ بها كل صلاة.
وذلك حينما نقول: امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس, وكل أيام حياتنا, بكل سلام مع مخافتك. فإن كانت المحبة تنزع منا هذه المخافة, فلماذا نطلبها إذن في كل صلاة؟!.
بل ما أكثر ترديدنا لعبارة المخافة في صلواتنا الطقسية..
فعند قراءة الإنجيل, يصرخ الشماس قائلا: قفوا بخوف من الله, وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس. ويرفع رئيس الكهنة تاجه من رأسه, ويقف أمام الله في مخافة يقرأ الإنجيل, ويستمع الشعب في رهبة وهم وقوف: اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة..
وعند حلول الروح القدس, يصرخ الشماس قائلا:
اسجدوا لله, بخوف ورعدة.
حقا إن الوقوف أمام الله, وكذلك السجود, هو لون من المهابة والتوقير والمخافة, حينما تلتصق رؤوسنا بالأرض بالتراب, بل كما يقول داود النبي: لصقت بالتراب نفسي.
هذه المهابة والمخافة وهذا السجود يظهر واضحا في سفر الرؤيا وكمثال له الأربعة والعشرون قسيسا (رؤ4:10).
هؤلاء الأربعة والعشرون كاهنا, يمثلون كل عظمة الكهنوت, ويجلسون حول العرش في ثياب بيض, وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب.. ومع ذلك لما تعطي الحيوانات الأربعة مجدا وكرامة للجالس علي العرش يخر الأربعة والعشرون قسيسا قدام الجالس علي العرش, ويسجدون.. ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة..
إبراهيم أبو الآباء والأنبياء, الذي كانت له دالة كبيرة مع الله, حتي قال الرب: هل أحرق سادوم, وأخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله!. إبراهيم هذا لما وقف يتحدث إلي الله, ملكته المهابة والخشية, فقال: شرعت أن أكلم المولي, وأنا تراب ورماد.. لا يسخط المولي فأتكلم (تك18:27, 32).
يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ علي صدر المسيح, وأكثر الرسل حبا لله, عندما رأي الرب في سفر الرؤيا, يقول: وقعت عند قدميه كميت (رؤ1:17).
أتري توجد ومخافة في الحب أكثر من هذه؟!
وفي سكني الرب وسط شعبه, كانت المهابة محفوظة مع الحب..
سكني الله وسط الناس كانت دليلا علي الحب, فكانت خيمة الرب وسط خيامهم. ومع ذلك كان هناك بعد مناسب, ثم خيام الكهنة واللاويين..وبعد ذلك خيام سائر الناس..
وحتي الآن كان الناس يخافون السكني إلي جوار الكنيسة, مهابة وخوفا, لئلا يخطئوا إلي جوار موضع مقدس..
وقد منعنا سكني القرابني والقيم والعريف, وحتي الكاهن, داخل الكنيسة, لكي نحفظ هيبة بيت الرب, فلا يكون مجالا للحياة العائلية العادية, ويفقد قدسيته ومهابته..
لهذا, فإننا للأسف الشديد نجد أن كثيرا من الشمامسة الصغار, وخدام المذبح, لكثرة دخولهم الهيكل وخروجهم منه, يفقدون أحيانا خشيتهم له, ويتكلمون حتي في أقدس الأوقات.. ولكثرة دخول الناس في الهيكل, بمن في ذلك المصورون والمسجلون, ما أسهل أن تفقد قدسية المكان وهيبته, ويعامل من الناس كموضع عادي..
لهذا ينبغي للمحبة ألا تفقدنا المخافة والهيبة فالسيد المسيح الذي دعانا للحب, دعانا للمخافة أيضا:
إنه يقول: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد, وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر. بل أريكم ممن تخافون. خافوا من الذي بعدما يقتل, له سلطان أن يلقي في جهنم. نعم أقول لكم من هذا خافوا (لو12:4, 5).
إن الذي يسلك في مخافة الله, يمكنه أن يصل إلي انسحاق القلب والاتضاع. وبهذا تنسكب المحبة في قلبه من الروح القدس, وبالمخافة يعيش في حياة الحرص وحياة التدقيق..
أما الذي يسلك بالدالة بلا خوف, فإنه قد يفقد حرصه وتدقيقه وربما يصل إلي الاستهتار واللامبالاة.
إننا في صلواتنا نقول للرب: اسمك العظيم المخوف. ونقول عن مجيئه الثاني: المخوف المملوء مجدا.
إن مخافة الله حافظة لنا من السقوط, وتملأ قلوبنا بشعور الإجلال والتوقير للذات الإلهية, وتعطينا ينابيع من الحرص والتدقيق.
إن كثيرين من الذين تركوا المخافة, وصلوا إلي كبرياء القلب, وإلي قساوة القلب. ولم يرتفعوا إلي مستوي أعلي من المخافة, بل هبطوا إلي مستوي الاستهتار ولم يشعروا بفداحة الخطية.
إذن عيشوا في الحب, وفي مهابة الرب أيضا..
أحبوا الرب من كل قلوبكم, وأيضا وقروه وهابوه من كل قلوبكم, وانسحقوا أمامه.. ومهما فعلتم كل ما أمرتم به, قولوا إننا عبيد بطالون.
وأنصتوا إلي قول بولس الرسول:
لا تستكبر بل خف.
هوذا لطف الله وصرامته. وأما الصرامة فعلي الذين سقطوا, وأما اللطف فلك أن ثبت في اللطف, وإلا فأنت أيضا ستقطع. (رؤ11:20 - 22).
وبعد يا إخوتي, إن موضوع المخافة هو موضوع طويل ومهم. وله علاقة بكثير من الفضائل:
له علاقة بالتوبة, وبالحرص في سلوكيات الحياة..
وله علاقة بالاتضاع وبلوم النفس وانسحاق القلب..
وله علاقة بالخشوع اللازم في علاقتنا مع الله, واللازم لنا في الصلاة وفي كل ألوان العبادة.
وقد تحدث عنه القديسون في كتاباتهم الروحية, وفيما اقتبسوه من روح الكتاب..
وأود أن أكمل معكم موضوع المخافة بشئ من التفاصيل. نشرح فيه أولا ما معني المخافة.. وما لزومها؟ وما علاقتها بالمحبة؟ وما علاقتها بباقي الفضائل؟ وماذا قال القديسون عن هذا كله..
وإلي لقاء آخر, إن أحبت نعمة الرب وعشنا.