- قلت لك أنني لن أذهب إلي الكنيسة, عليك اللعنة, ألن تكفي عن هذا الهراء أبداً؟! أني ذاهب.
فتحت الباب مسرعاً أريجد الخروج من البيت كما لو كنت تلميذا بليداً لا يريد أن ينفذ ما تريده أمه … فما كان من زوجتي إلا أن تتساءل
- إلي أين ؟
قالتها باكية متمسكنة ولكني لم ألتفت إلى كل هذا وقلت لها إمعانا في غيظها
- إلي أقرب بار, ولن أعود مبكراً, إذهبــي أنـت إلـي الكنيسـة التي تريديـن وعندما ترجعين نامي ولا تنتظريني.
وخرجت
غاضباً دون أن أسمع ما تقول, اتجهت إلي الشاطئ وجلست علي أقرب مقعد أنظر
إلي البحر كي أهدئ من نفسي بعض الشيء. كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج
فيها من البيت غاضباً بهذه الصورة, وأعتقد أيضاً إنها المرة الأولى التي
أرفع فيها صوتي بهذا الشكل في البيت.
أخذت
أنظر إلي البحر. كان الصيادين يبدأون في التحرك بقواربهم لقضاء ليل طويل
آملين أن يحصلوا على صيد … ولكن هيهات، فمن أين يأتي الصيد بعد أن نال
البحر كفايته من أدوات التدمير المختلفة … جلست أرقبهم لفترة … وعلي الرغم
من أننا كنا في شهر نيسان (ابريل) والساعة لم تتعد السابعة مساء إلا أنه
كانت توجد لسعة برد خفيفة فقمت أسير علي الشاطئ أتأمل من حولي, كم هو
جــميل شــاطئ مـدينة صـور, إنني أراها من أجمل مدن لبنان. لم يكن الظلام
قد حل بعد … وفجأة لم أعد أرى من حولي ، وبدلاً من ذلك بدأ ذهني يرى ماضي
سحيق كان قد مر بحلوه ومره … وأخذت أتأمـل في حياتي .
أنا
مهندس أعمل في شركة لأعمال البناء, تلك الشـــركة التي تأسست بعد الحرب
الأهليــــة اللبنانية مباشرة. والتي أعمل بها منذ بداية تأسيسها. ومنذ
أربعة سنوات تزوجت من زميلة لي بعد قصــة حب دامت أكثر من عام وعشت مع
زوجتي أيام هانئة بعد أن تركت زوجتــي العمل لتستقر في المنزل ..
كانت الأمور جميلة في بيتنا الهادئ إلي أن دخل المسيح حياتنا ومن وقتها لم أعرف طعم الهناء .
منذ
فترة والسيدة زوجتي (تتروحن). أراها تذهب إلي الكنيسة باستمرار, أهملتني
وأحبت المسيح أكثر مما أثار هذا الأمر حنقي, ولكني لم أعتد أبدا أن أحجر
علي أفكار أحد, وإن كنت أحس بأن زوجتي تخونني بتلك المحبة المفاجئة التي
ظهرت!!
طوال
الأربعة سنوات لم نرزق بأي أطفال, ذهبت أنا وزوجتي إلي الأطباء وأجرينا
فحوصات وتحاليل وكانت النتيجة أنه ليس بنا أي عيب ولكن هذه مشيئة القدر,
استسلمت لهذا الأمر ولم أعلق عليه كثيرا, ولكن زوجتي كانت تهتم بهذا
الأمر, ولكن مع مرور الوقت هدأت وكفت عن فتح هذا الموضوع الذي ضجرت منه.
عملي
أحبه كثيرا وفيه أنا مشغول من الثامنة صباحا إلي الخامسة مساءا , ولكن
بقائي في عملي كل هذا الوقت جعل زوجتي تشعر بالضجر من البقاء وحدها في
المنزل لا تجد ما تفعلـه حتى أنها طلبت أن تعود إلي عملها بالشركة والذي
كانت قد تركته فور زواجها ولكن للأسف مكانها كان قد شغل. ربما لهذا السبب
اتجهت للتدين حتى تملأ فراغ حياتها. ولكن أن تضغط على كي أصير مثلها فلا,
هذا كثير, فأنا لا احب الدروشة!
كنا
أثناء الحرب الأهلية اللبنانية نصلي لله كثيرا كي يعبر الله عنا هذه
المصيبة ولا مجيب, لقد شربنا الكأس حتى الثمالة, طلبنا من الله كي يدبر
لنا الاحتياجات فصرخت أمعائنا من الجوع, والآن الأمور مستقرة ونستطيع أن
ندبر أنفسنا.
زوجتي تقول أن الحياة بدون المسيح غير ممكنة, وبدون المسيح لن نجد السلام, وأنا أتساءل هل
أعطي المسيح سلام أثنــاء الحرب التي دمرت البلد تماما ؟! ها نحن نعاني من
الغلاء والليرة وصعوبة المعيشة بسبب تلك الـحرب التي توقفت منذ أعوام ولا
نزال نعاني من آثاره إلي الآن. في الحرب ألم نكن جميعا مهـدديــن وجائعين
وأعمالنا متوقفة؟! ماذا فعل المسيح في هذا الوقت إذا كان موجـــودا ؟!
***
قادتني
قدماي إلي الشركة التي أعمل فيها, كان الباب الرئيسي مغلقا بالطبع
فبالإضافة إلى أن الوقت كان متأخرا فاليوم هو يوم الأحد العطلة الأسبوعية
للمكان. وددت لو كان السيد المدير المهندس غسان موجودا, إذ ربما كنت قد
تجاذبت معه أطراف الحديث حتى أهدأ, فعلاقتي بالمهندس غسان علاقة طيبة, هي
علاقة صداقة أكثر منه علاقة رئيس بمرؤوس, لقد بدأنا العمل معاً منذ
البداية، وان كنت أعتقد أنه على علاقة طيبة ليس بي فقط بل بجميع موظفي
الشركة ويندر أن أجد مدير كهذا, انه مثلي الأعلى إذ لا علاقة له بالدين
ولكنه أمين في عمله وأمين مع زبائنه حتى لو علي حساب نفسه, مدقق في كل
صغيرة وكبيرة مع موظفيه ولكن بدون تشنج, فهو يلفت النظر إلي الأخطاء بمحبة
ووضع سياسة واضحة للعقوبات يسير عليها المخطئ حتى ولو كان المدير نفسه
بدون تعنيف أو إهانة, كل هذا ولم يقل أبدا أن المسيح في حياته أو أي شئ من
هذا الذي يحكيه المتروحنون.
ابتسمت في مرارة
زوجتي
تقول أنه بدون المسيح لا سلام ولا أمانة ولا عمل جيد. كيف هذا وأنا أرى
مثل حي علي رجل لا علاقة له بالمسيح يعيش في سلام وأمانة لا حدود لها!!
وددت لو أراه, اتجهت لأقرب تليفون أتصل به, فربما يكون غير مشغول فأذهب
أجلس عنده قليلا وبعدما أهدأ أرجع إلي المنزل … غير موجود - مجرد رسالة صوتية, إذن ماذا أفعل؟ هل أذهب إلي البار مثلما قلت لزوجتي ؟ أنا لا أحب البارات ولم أشرب الخمر في حياتي من قبل, لقد قلت هذا كي أغيظ زوجتي فحسب.
هل أذهب إلي الكنيسة وأصطحبها إلى البيت دون أن أحاول أن أسمع ما يقولون؟
كلا … بهذه الطريقة تكون زوجتي انتصرت علي … سأذهب إلي البار.
***
الساعة
كانت حوالي التاسعة مساءاً, مررت بجانب الكنيسة, وجدتهم يخرجون منها
ويسلمون علي بعضهم البعض, وقفت أنظر في فضول, ها زوجتي تخرج … أسرعت أختبئ
خلف الجدار حتى لا تراني ولكني ظللت أراقبها, وجدتها تدخل إلى الكنيسة مرة
أخرى … يبدوا أنها نسيت شيئا, وبعد قليل خرجت مسرعة متجهة إلى منزلنا القريب من الكنيسة, آما أنا فسرت في الاتجاه الآخر لأذهب إلي البار القريب أيضا من الكنيسة.
اتجهت
إلى الساقي وجلست, نظرت اليه في بلاهة وهو يترقب مني متطلعاً لما أريد أن
أشربه … ماذا أطلب؟ لا أعرف فأنا لم أشرب الخمر بحياتي … قلت له بسرعة
- بيرة من فضلك.
- و انا زجاجة كوكاكولا لو سمحت
نظرت إلى ذلك المجهول الذي تكلم خلفي وجدته يبتسم كما لو كان صديقاً حميماً وقال:
- مرحباً
- مرحباً
وأخذت
زجاجتي وتركت المكان بعيداً عن ذلك الثرثار… جلست علي طاولة مظلمة بعيدة
عن الصخب الموجود في البار والذي يسمونه ديسكو. ولكن ما أن جلست حتى تبعني ذلك الثرثار الذي يشرب الكوكاكولا واقتحم طاولتي قائلا
- يا إلهي, هذا المكان مظلم جدا … هل يمكن أن أجلس بجانبك؟
- لقد تفضلت وجلست بالفعل, والآن اتركني كي أشرب هذه الزجاجة وأرحل من هنا.
- أوه, يبدو أنـك غاضـب مـن شئ مـا, لمــاذا لا تحــكي لـي وأنت تشــرب زجاجتــك وأشرب أنا زجاجتي.
- اللعنة عليك يا رجل, من أنت حتى …
- فيليب, أسمي فيليب, وأعمل في رعي الخراف.
- راعي خراف!! لا منظرك ولا لهجتك تدل علي هذا
قـلتها ضـاحكا, فهذا الـذي أقتحم مجلسي يبدو ظريف, وجه مبتسم ومنير. وجدته يرد علي:
- ومع هذا أنا راعي خراف, صحيح أنني لا أملكها, يملكها راعي آخر. ولكني أعمل بالأجرة عندي مائة وتسعة وتسعون خروف ونعجة.
ضحكت مرة أخري
- وتعرفهم بالعدد!! لماذا لا تقول مائتين بالتقريب
- لأنهم
لم يصبحوا بعد مائتين, ربما أضفت الخروف رقم مائتين للحظيرة الليلة أو غدا
صباحا ولكنهم إلى الآن مائة وتسعة وتسعون خروف ونعجة … أعرفهم بالإسم
وأراعيهم بالإسم … صحيح قدرتي أقل من قدرة صاحبهم وراعيهم الأصلي ولكني
أحاول أن أتقن عملي.
شربت من زجاجة البيرة وقد انسجمت من ذلك الرجل وقلت له ضاحكا
- تراعيهم ويطمئنون لك, تطعمهم وتسمنهم. وبأمر من صاحب الخراف تسلمهم للجزار وتقبض ثمنهم … مساكين هؤلاء الخراف الذين يستسلمون لك.
وقف فجأة وقال صارخاً بحركة تمثيلية إهتز بها جسمه الممتلئ وكرشه الكبير.
- لا
خرافي لا أتركها. وصاحبها لم يخصصها للذبح والبيع, هو يحبهم ولا يستطيع أن
يستغني عن أي خروف أو نعجة … و أنا راعيهم الذي أحاول أحميهم وأرشدهم
وأطعمهم ولكن بإرشاد صاحبهم الأصلي ويا ويلي لو تخاذلت عن هذه المهمة أو
تسببت في جرح خروف أو نعجة … علي العموم بعد أن نشرب مشروباتنا نذهب معا
إلى الحظيرة.
تجاهلت دعوته وقلت له مستمرا في مداعبته وقد بدأت أتسلى في مجلسي:
- لا تكن واثقا هكذا, فأي خروف مصيره الذبح.
- إلا الخراف الذين معي .
يا لهذا الرجل الغريب, قلت له
- ما الذي أدخلك إلي هذا المكان لتشرب الكوكاكولا بسعر غالي, الكشك الذي بالخارج به نفس زجاجتك ولكن أرخص كثيرا.
مال إلى وكأنه سوف يحكي لي بسر خطير
- أصدقك
القول أني لم أدخل هذه الأماكن منذ ردح من الزمن، ولكن صاحب الخراف أمرني
أن آت إلي هذا المكان, فيبدوا أنه يوجد في هذا المكان صفقة. خروف جديد سوف
أضمه إلي الخراف هذه الليلة.
- الخروف رقم مائتين ؟
- أجل, وأنت ما الذي أتي بك إلي هذا المكان, يبدوا لي أنك لا تشرب الخمر هل أتيت أنت أيضا لأجل صفقة معينة ؟
- كلا أيها الصديق, أنا فقط إنسان متعب, وليس لي مكان أذهب إليه.
- لابد أن زوجتك قد أغضبتك
- كيف عرفت؟
- هذا هو الشيء العادي أيها الصديق, ولكن أنت مسيحي, أليس كذلك؟
- أجل.
- اليوم يوم أحد, إذا كنت لا تجد مكان تذهب أليه, لماذا لا تذهب إلي الكنيسة؟!
- اللعنة عليك يا رجل, هل جئت إلى هنا لتعظني؟
قال بهدوء
- كلا
بالطبع, أنت قلت أنك لا تجد مكانا, وأنا أعتقد أن هذا البار ليس مكانك,
فتساءلت لماذا لم تذهب إلي الكنيسة, إنني لم أدعوك إلى كنيسة ولكني أسال
فقط.
- ماذا أفعل داخل الكنيسة ؟
- تصلي, تعلن أنك أبن ليسوع
- ولكني لست كذلك, ولا أحب أن أكون كذلك.
- آلم تقل أنك مسيحي ؟!
- هذا هو المكتوب في شهادة الميلاد يا رجل ولكني لا أحب أن أكون ابنا ليسوع
- لماذا ؟
- لماذا, لماذا؟ هذا شأني, أني لا أشعر بالإحتياج إلي يسوع.
- نعم … أفهمك .. أفهمك كثيرا … الأمور علي ما يرام, العمل جيد والراتب جيد والحياة جيدة, فماذا تحتاج من يسوع بعد؟
سرني هذا التعاطف فقلت له مؤيداً
- أليس كذلك؟ أننا في حالة استقرار نسبي الآن, بينما والحرب ..
- ماذا عن الحرب, هل سلمت حياتك ليسوع أثناء الحرب.
- كلا, ولكني كنت دائما أصلي كي ينقذنا.
- وهل أنقذك ؟
- كلا , ولكن الحرب انتهت .
وأطلق الرجل ضحكة كبيرة عندما قلت له هذه العبارة وقال:
- ومن الذي أنهاها يا رجل, ومن الذي حفظك سالما أثناءها ومن الذي أطعمك وأسقاك وأنت لا تجد قوت يومك
ووقف فجأة … فقلت له
- لماذا قمت؟ هل ترحل … أجلس, لا أحب أن أذهب إلي البيت الآن.
قلتها له وكأني أقولها لصديق حميم ونسيت أني لم أعرفه إلا منذ دقائق قليلة, والغريب أنه رد علي بنفس تلك الطريقة التي كلمته بها.
- ومن سيذهب إلى البيت. لنخرج من هذا المكان الخانق, أريد أن أريك حظيرة الخراف.
وخرجنا
معا كأعز الأصدقاء, وهو يضحك وأنا أشاركه الضحك دون أن أعرف لماذا؟ ولو
كنا شربنا الخمر لقلت أنها قد لعبت برؤوسنا!! وعلي مسافة عشرة دقائق من
السير وقف فجأة وقال
- وصلنا … تعال إلى حظيرتي, ربما لن تخرج منها.
أخذت
أنظر باندهاش, أنها الكنيسة, وددت لو غضبت لكني لم أستطع علي الرغم من
أنني شعرت أن هذا الشخص قد ضحك علي, ولكني قلت في استسلام
- إذن أنت راعي هذه الكنيسة.
- أجل … تلك الكنيسة ذات المائة والتسعة والتسعين عضواً.
فهمت
معني كلامه ودخلت, أدخلني إلي غرفة صغيرة بها مكتبة وبعض الكراسي ومكتب
صغير, ولكنه لم يجلس علي أي من هذه الأشياء المعدة للجلوس بل جلس علي
الأرض وأشار إلى وقال:
- أجلس
وجلست بينما هو يحكي
- هنا
غرفة الصلاة, أصلي لأجل مائة وتسعة وتسعون رجلا وامرأة, أعرف ظروفهم
وأحوالهم ومشاكلهم وطلباتهم, لم يخذلني الرب أبدا, أجد الاستجابة لكل أمر
وأجد الفهم. إن يسوع هو الراعي الحقيقي لهؤلاء المائة والتسعة والتسعين.
لم يضع أحد منهم ولن يضيع أحد لأنهم في رعاية الراعي الصالح. أنا فقط
أباشر العمل, ألاحظه.
ضحكت وقلت
- وتأتي بالجديد
أطلق ضحكة رنانة ارتعش فيها كرشه الضخم وقال
- يسوع
هـو الـذي يأتي بالجديد , هو يعرف الذين له يا رجل . تعرف أن الإنسان كائن
غريب جدا . الرب يحميك من كثير من الشرور وهو يعتبر أن الأمر عادي جدا .
تماما مثل الخروف الذي لا يرى الذئب وهو مقبل عليه
, ولكن الراعي يراه فيبعد الذئب وفي سبيل هذا يجرح وتتخرق ملابسه وعندما
يراه الخروف يقول في نفسه ” ما بال الراعي يأتي بي إلى أرض عشبها قليل ,
ولمـاذا لا يعتنــي بنفسه ويلبس ملابس أفضل ” . الإنسان أيضا هكذا أيها
العزيز .. معجزات تحدث له كل يوم تثبت عناية الله والإنسان يصرخ أين هي
عناية الله ؟
لم أجد ما أرد به عليه فقال:
- قل لي, متى بدأت عملك؟
- بعد الحرب مباشرة.
- ألا تظن أن هذا الأمر ليس نعمة؟ … كم شخص معطل عن العمل إلى الآن؟
- كثيرون
- أجل كثيرون, وما هي علاقتك برئيسك في العمل؟
- رائعة.
- أليس هذا نعمة؟ كم شخص معذب في عمله ولا يطيق رئيسه.
- إنها الصدف.
- أجل, هي الصدف … قل لي, هل أنت سعيد في زواجك وزوجتك هل تحبك وتوفر لك كل أسباب السعادة؟
- أجل
ابتسم القس ولم يكرر التعليق بل قال
- وهذه أيضا صدفة, قل لي, هل زوجتك تعبه هذه الأيام, هل تعرف عنها أنها متألمة من شئ معين؟
- أجل, واعتقدت أنها متضجرة بسبب الوحدة.
- هل
رأيت يا رجل؟ زوجتك التي تحبها لا تعرف حاجتها, لكن الرب يعرف ويسدد,
زوجتك كانت تتمنى طفل وربما تأخرها في الإنجاب هو الذي جعلها تقبل يسوع هل
تعرف أنها الآن مسئوله عن كثير من الأطفال في مدارس الأحد وهذا ساهم في
تسديد بعض احتياجاتها في هذا الموضوع وفي نفس الوقت أسعد الكثير من
الأطفال وأفادهم ؟ .
- وهل هذا كافي؟
- إنني لا زلت أطلب لأجلها, وكثير من أعضاء الكنيسة يطلبون ويشاركونها الصلاة. والرب في الوقت المناسب سوف يستجيب.
قلت له
- وإذا لم يستجيب؟
- بل سوف يستجيب … أنا أثق من هذا, لم أقل أنه سوف يعطيها طفل, ولكنه سوف يسد الجوع الذي تشعر به تجاه هذا الأمر, ربما يعطيها طفل وربما سوف يشبعها بوسيلة أخري, الرب يسدد الاحتياجات أيها العزيز.
وأشار إلي صورة علي الزاوية للمسيح وعلي رأسه إكليل الشوك وقال
- الرب أيها العزيز صلب لكي يسدد الاحتياجات .. ألا تفهم ؟
نظرت إلى الصورة وأنا شارد بينما هو قال
- ما الذي يجعله يتألم هكذا, أنه لم يكن مضطرا لولا محبته لخرافه, أراد أن يذبح عوضا عنهم حتى يعيشوا هم أحياء بعد أن أماتتهم الخطية.
دمعت عيناي وقلت
- إذن الأمانة والمحبة والعمل بضمير صالح بدون المسيح …
أكمل هو
- بالنسبة
لله لا شئ, لن يستطيع الإنسان أن يكون كاملا كي يرضي الله القدوس الكامل ,
بينما إذا اختفي ذلك الإنسان خلف عمل المسيح الكامل يصير هو أيضا كاملا
قلت في نفسي
- كم أنت مسكين أيها المهندس غسان
نظر الي متطلعاً ومتساءلاً
- ماذا تقول؟
خرجت مما أفكر فيه وقلت
- أليست هذه غرفة للصلاة ؟
- أتريد أن تصلي ؟
- إبدأ أنت بالصلاة لأجلي
- وأنت,
فتش عن تلك الأمور التي تغضبك من إلهك, من كلامك فهمت أنه يوجد حائل بينك
وبين إلهك, تحمله مسئولية أشياء وتنتظر منه أشياء وجدته لا يعملها .. صلي
.. واطلب منه الفهم, اخرج له كل ما في قلبك.
***
وصلينا
فتحت
قلبي كما لم أفتحه من قبل, ووجدت كثير من الإحتياجات تتدفق, وشعرت بيسوع
كأب حنون يحتويني ويهدئ من روعي, وجدت سنين الحرب تركت شروخا كنت أخفيها
ولكنها ظهرت بالصلاة, شعرت بأيدي يسوع يلملم تلك الجراحات, وعرفت أنه بدون
يسوع كل شئ بلا طعم وسخيف, كم هي مظلمة تلك السنين التي قضيتها بدون يسوع.
وجاء الصباح, وفيه أصبحت إنسانا جديدا.
***
قال الراعي وأنا أترك المكان
- عندما تصلي إلى البيت أشكر زوجتك
- لماذا ؟
- كانت تصلي لأجلك كل يوم, وعندما رأتك بجانب الكنيسة لم تتجاهل ذلك, بسرعة دخلت وطلبت مني أن أركض وراءك , فتبعتك إلى ذلك البار.
- كنت صيدا إذن, شكرا لك ولها, إلى اللقاء.
- أين ستذهب؟
- إلى البيت أغسل وجهي وأخبر زوجتي , ثم أذهب إلى عملي
- ذكرتني , ما أسم مديرك؟
- المهندس غسان
نظر الى مندهشاً ثم كرر الأسم
- غسان ؟!
ثم انطلق ضاحكا تاركا لكرشه العنان وقال
- عندما تذهب إلي عملك اليوم أدخل إلى مكتب السيد غسان واخبره بما حدث لك .
- السيد غسان ؟! لا أعتقد انه يحب الحديث عن هذه المواضيع في المكتب
مرة أخري ضحك كثيرا وقال
- بل أخبره, أنها شهادة لابد أن تؤديها, ولا تنسي إن أغضبك بكلامه أن توبخه, هل تفهم؟
- حسناً.
قلتها دون أن أفهم, أوبخه علي أي شئ ولكني لم أعلق مددت يدي إليه فامسك بها وسألني
- سؤال أخير, هل أكتب اسمك في حظيرتي؟
أبتسمت له واستخدمت نفس المصطلحات التي أستخدمها معي وقلت له
- أجل, لقد تمت الصفقة بنجاح, أنا الخروف رقم 200 والآن عليك أن تبحث عن رقم 201
- هذا
ليس عملي هو عمل الراعي … أنا مجرد خروف ومسؤول بعض الشيء عن بقية الخراف
… ربما لأني متقدم قليلاً في المعرفة والاختبار … ولكن عندما يعطيني
الراعي الأمر سوف أتوجه الي الخروف رقم 201 وأضمه للحظيرة … ولكن
- ماذا؟
- ربما
لا يوجه لي أنا هذا الأمر … ربما يوجهه لك أنت … فهذا ليس عملي وحدي … أنا
والمائتي خروف عليهم أن يرشدوا الخروف رقم 201 إلى مكان الحظيرة … بمعنى
آخر أنه عملك أنت أيضا, ابحث عنه أيضا معي.
***
دخلت
العمل وأنا سعيد ومبتهج رغم أنني تأخرت أكثر من ساعتين, ولائحة الجزاءات
فتحت بتلقائية, وسجل أسمي في القائمة … لكني لم أكترث, فهذه هي المرة
الأولي والأخيرة التي سوف يحدث فيها هذا. فأنا وزوجتي كنا نحتفل بذلك
التغيير الذي حدث لي والفرحة كانت تغمرنا.
والآن علي أن أبحث أنا أيضا عن الخروف الأول بعد المائتين , لماذا لا يكون هو السيد غسان ؟.. سأحاول
دخلت إليه وقلت له :
- معذرة يا سيد غسان عن تأخري ولكن عندي خبر مهم
- أجلس أيها الصديق, هذه أول مرة تتأخر هكذا, لا عليك, ماذا عندك من أخبار؟
- لقد تعرفت علي أعظم شخصية بالأمس وسلمته حياتي بالكامل
ابتسم غسان ولمعت عيناه وقال
- أيها العزيز, هل تقابلت مع المسيح بالأمس؟ هل سلمت حياتك له؟
استغربت من كلامه وقلت
- كيف عرفت ؟
- لقد كنت موجوداً والقس فيليب يلحق بك بالأمس … ثم … لقد كنت أصلي لك منذ أن عملت معي ؟
- تصلي لأجلي ؟ هل أنت تعرف المسيح ؟
- منذ سنوات كثيرة
وصدق ظن الراعي إذ شعرت بالغضب كثيرا , قلت له
- هل تعرفه وتحرمني منه طوال هذه المدة, أنت السبب الرئيسي الذي عطل مجيئي للمسيح طوال هذه السنوات .
- كيف !!
- حياتك
الرائعة دون أن تشهد ولو مرة واحدة عنه جعلت إمكانية أن أعيش بدونه سهلة,
وأنا الذي أردت أن أشهد لك عنه فور قبولي ؟! أين محبتك لي؟
قال معتذرا
- يا
عزيزي, سامحني, أنا لا أعرف كيف أشهد, شخصيتي وطبيعة عملي جعلتني لا أعرف
كيف أتكلم عنه كما يجب, ولكنني من خلال عشرتي مع الله أتقنت فن الصلاة.
ربما لم أشهد لك ولكني أعرف أن صلاتي شاركت في إحضارك لحظيرة المسيح,
والآن دعنا نعمل معا ونصلي معا, أنت تشهد وأنا أصلي لك, هل نتفق؟ .
- نتفق .
- أما الان … أعطيك بقية اليوم أجازه حتى تذهب لتنام .. أنت لم تنم الليل كله ولنلتق أيها الصديق غدا .
فتحت الباب مسرعاً أريجد الخروج من البيت كما لو كنت تلميذا بليداً لا يريد أن ينفذ ما تريده أمه … فما كان من زوجتي إلا أن تتساءل
- إلي أين ؟
قالتها باكية متمسكنة ولكني لم ألتفت إلى كل هذا وقلت لها إمعانا في غيظها
- إلي أقرب بار, ولن أعود مبكراً, إذهبــي أنـت إلـي الكنيسـة التي تريديـن وعندما ترجعين نامي ولا تنتظريني.
وخرجت
غاضباً دون أن أسمع ما تقول, اتجهت إلي الشاطئ وجلست علي أقرب مقعد أنظر
إلي البحر كي أهدئ من نفسي بعض الشيء. كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج
فيها من البيت غاضباً بهذه الصورة, وأعتقد أيضاً إنها المرة الأولى التي
أرفع فيها صوتي بهذا الشكل في البيت.
أخذت
أنظر إلي البحر. كان الصيادين يبدأون في التحرك بقواربهم لقضاء ليل طويل
آملين أن يحصلوا على صيد … ولكن هيهات، فمن أين يأتي الصيد بعد أن نال
البحر كفايته من أدوات التدمير المختلفة … جلست أرقبهم لفترة … وعلي الرغم
من أننا كنا في شهر نيسان (ابريل) والساعة لم تتعد السابعة مساء إلا أنه
كانت توجد لسعة برد خفيفة فقمت أسير علي الشاطئ أتأمل من حولي, كم هو
جــميل شــاطئ مـدينة صـور, إنني أراها من أجمل مدن لبنان. لم يكن الظلام
قد حل بعد … وفجأة لم أعد أرى من حولي ، وبدلاً من ذلك بدأ ذهني يرى ماضي
سحيق كان قد مر بحلوه ومره … وأخذت أتأمـل في حياتي .
أنا
مهندس أعمل في شركة لأعمال البناء, تلك الشـــركة التي تأسست بعد الحرب
الأهليــــة اللبنانية مباشرة. والتي أعمل بها منذ بداية تأسيسها. ومنذ
أربعة سنوات تزوجت من زميلة لي بعد قصــة حب دامت أكثر من عام وعشت مع
زوجتي أيام هانئة بعد أن تركت زوجتــي العمل لتستقر في المنزل ..
كانت الأمور جميلة في بيتنا الهادئ إلي أن دخل المسيح حياتنا ومن وقتها لم أعرف طعم الهناء .
منذ
فترة والسيدة زوجتي (تتروحن). أراها تذهب إلي الكنيسة باستمرار, أهملتني
وأحبت المسيح أكثر مما أثار هذا الأمر حنقي, ولكني لم أعتد أبدا أن أحجر
علي أفكار أحد, وإن كنت أحس بأن زوجتي تخونني بتلك المحبة المفاجئة التي
ظهرت!!
طوال
الأربعة سنوات لم نرزق بأي أطفال, ذهبت أنا وزوجتي إلي الأطباء وأجرينا
فحوصات وتحاليل وكانت النتيجة أنه ليس بنا أي عيب ولكن هذه مشيئة القدر,
استسلمت لهذا الأمر ولم أعلق عليه كثيرا, ولكن زوجتي كانت تهتم بهذا
الأمر, ولكن مع مرور الوقت هدأت وكفت عن فتح هذا الموضوع الذي ضجرت منه.
عملي
أحبه كثيرا وفيه أنا مشغول من الثامنة صباحا إلي الخامسة مساءا , ولكن
بقائي في عملي كل هذا الوقت جعل زوجتي تشعر بالضجر من البقاء وحدها في
المنزل لا تجد ما تفعلـه حتى أنها طلبت أن تعود إلي عملها بالشركة والذي
كانت قد تركته فور زواجها ولكن للأسف مكانها كان قد شغل. ربما لهذا السبب
اتجهت للتدين حتى تملأ فراغ حياتها. ولكن أن تضغط على كي أصير مثلها فلا,
هذا كثير, فأنا لا احب الدروشة!
كنا
أثناء الحرب الأهلية اللبنانية نصلي لله كثيرا كي يعبر الله عنا هذه
المصيبة ولا مجيب, لقد شربنا الكأس حتى الثمالة, طلبنا من الله كي يدبر
لنا الاحتياجات فصرخت أمعائنا من الجوع, والآن الأمور مستقرة ونستطيع أن
ندبر أنفسنا.
زوجتي تقول أن الحياة بدون المسيح غير ممكنة, وبدون المسيح لن نجد السلام, وأنا أتساءل هل
أعطي المسيح سلام أثنــاء الحرب التي دمرت البلد تماما ؟! ها نحن نعاني من
الغلاء والليرة وصعوبة المعيشة بسبب تلك الـحرب التي توقفت منذ أعوام ولا
نزال نعاني من آثاره إلي الآن. في الحرب ألم نكن جميعا مهـدديــن وجائعين
وأعمالنا متوقفة؟! ماذا فعل المسيح في هذا الوقت إذا كان موجـــودا ؟!
***
قادتني
قدماي إلي الشركة التي أعمل فيها, كان الباب الرئيسي مغلقا بالطبع
فبالإضافة إلى أن الوقت كان متأخرا فاليوم هو يوم الأحد العطلة الأسبوعية
للمكان. وددت لو كان السيد المدير المهندس غسان موجودا, إذ ربما كنت قد
تجاذبت معه أطراف الحديث حتى أهدأ, فعلاقتي بالمهندس غسان علاقة طيبة, هي
علاقة صداقة أكثر منه علاقة رئيس بمرؤوس, لقد بدأنا العمل معاً منذ
البداية، وان كنت أعتقد أنه على علاقة طيبة ليس بي فقط بل بجميع موظفي
الشركة ويندر أن أجد مدير كهذا, انه مثلي الأعلى إذ لا علاقة له بالدين
ولكنه أمين في عمله وأمين مع زبائنه حتى لو علي حساب نفسه, مدقق في كل
صغيرة وكبيرة مع موظفيه ولكن بدون تشنج, فهو يلفت النظر إلي الأخطاء بمحبة
ووضع سياسة واضحة للعقوبات يسير عليها المخطئ حتى ولو كان المدير نفسه
بدون تعنيف أو إهانة, كل هذا ولم يقل أبدا أن المسيح في حياته أو أي شئ من
هذا الذي يحكيه المتروحنون.
ابتسمت في مرارة
زوجتي
تقول أنه بدون المسيح لا سلام ولا أمانة ولا عمل جيد. كيف هذا وأنا أرى
مثل حي علي رجل لا علاقة له بالمسيح يعيش في سلام وأمانة لا حدود لها!!
وددت لو أراه, اتجهت لأقرب تليفون أتصل به, فربما يكون غير مشغول فأذهب
أجلس عنده قليلا وبعدما أهدأ أرجع إلي المنزل … غير موجود - مجرد رسالة صوتية, إذن ماذا أفعل؟ هل أذهب إلي البار مثلما قلت لزوجتي ؟ أنا لا أحب البارات ولم أشرب الخمر في حياتي من قبل, لقد قلت هذا كي أغيظ زوجتي فحسب.
هل أذهب إلي الكنيسة وأصطحبها إلى البيت دون أن أحاول أن أسمع ما يقولون؟
كلا … بهذه الطريقة تكون زوجتي انتصرت علي … سأذهب إلي البار.
***
الساعة
كانت حوالي التاسعة مساءاً, مررت بجانب الكنيسة, وجدتهم يخرجون منها
ويسلمون علي بعضهم البعض, وقفت أنظر في فضول, ها زوجتي تخرج … أسرعت أختبئ
خلف الجدار حتى لا تراني ولكني ظللت أراقبها, وجدتها تدخل إلى الكنيسة مرة
أخرى … يبدوا أنها نسيت شيئا, وبعد قليل خرجت مسرعة متجهة إلى منزلنا القريب من الكنيسة, آما أنا فسرت في الاتجاه الآخر لأذهب إلي البار القريب أيضا من الكنيسة.
اتجهت
إلى الساقي وجلست, نظرت اليه في بلاهة وهو يترقب مني متطلعاً لما أريد أن
أشربه … ماذا أطلب؟ لا أعرف فأنا لم أشرب الخمر بحياتي … قلت له بسرعة
- بيرة من فضلك.
- و انا زجاجة كوكاكولا لو سمحت
نظرت إلى ذلك المجهول الذي تكلم خلفي وجدته يبتسم كما لو كان صديقاً حميماً وقال:
- مرحباً
- مرحباً
وأخذت
زجاجتي وتركت المكان بعيداً عن ذلك الثرثار… جلست علي طاولة مظلمة بعيدة
عن الصخب الموجود في البار والذي يسمونه ديسكو. ولكن ما أن جلست حتى تبعني ذلك الثرثار الذي يشرب الكوكاكولا واقتحم طاولتي قائلا
- يا إلهي, هذا المكان مظلم جدا … هل يمكن أن أجلس بجانبك؟
- لقد تفضلت وجلست بالفعل, والآن اتركني كي أشرب هذه الزجاجة وأرحل من هنا.
- أوه, يبدو أنـك غاضـب مـن شئ مـا, لمــاذا لا تحــكي لـي وأنت تشــرب زجاجتــك وأشرب أنا زجاجتي.
- اللعنة عليك يا رجل, من أنت حتى …
- فيليب, أسمي فيليب, وأعمل في رعي الخراف.
- راعي خراف!! لا منظرك ولا لهجتك تدل علي هذا
قـلتها ضـاحكا, فهذا الـذي أقتحم مجلسي يبدو ظريف, وجه مبتسم ومنير. وجدته يرد علي:
- ومع هذا أنا راعي خراف, صحيح أنني لا أملكها, يملكها راعي آخر. ولكني أعمل بالأجرة عندي مائة وتسعة وتسعون خروف ونعجة.
ضحكت مرة أخري
- وتعرفهم بالعدد!! لماذا لا تقول مائتين بالتقريب
- لأنهم
لم يصبحوا بعد مائتين, ربما أضفت الخروف رقم مائتين للحظيرة الليلة أو غدا
صباحا ولكنهم إلى الآن مائة وتسعة وتسعون خروف ونعجة … أعرفهم بالإسم
وأراعيهم بالإسم … صحيح قدرتي أقل من قدرة صاحبهم وراعيهم الأصلي ولكني
أحاول أن أتقن عملي.
شربت من زجاجة البيرة وقد انسجمت من ذلك الرجل وقلت له ضاحكا
- تراعيهم ويطمئنون لك, تطعمهم وتسمنهم. وبأمر من صاحب الخراف تسلمهم للجزار وتقبض ثمنهم … مساكين هؤلاء الخراف الذين يستسلمون لك.
وقف فجأة وقال صارخاً بحركة تمثيلية إهتز بها جسمه الممتلئ وكرشه الكبير.
- لا
خرافي لا أتركها. وصاحبها لم يخصصها للذبح والبيع, هو يحبهم ولا يستطيع أن
يستغني عن أي خروف أو نعجة … و أنا راعيهم الذي أحاول أحميهم وأرشدهم
وأطعمهم ولكن بإرشاد صاحبهم الأصلي ويا ويلي لو تخاذلت عن هذه المهمة أو
تسببت في جرح خروف أو نعجة … علي العموم بعد أن نشرب مشروباتنا نذهب معا
إلى الحظيرة.
تجاهلت دعوته وقلت له مستمرا في مداعبته وقد بدأت أتسلى في مجلسي:
- لا تكن واثقا هكذا, فأي خروف مصيره الذبح.
- إلا الخراف الذين معي .
يا لهذا الرجل الغريب, قلت له
- ما الذي أدخلك إلي هذا المكان لتشرب الكوكاكولا بسعر غالي, الكشك الذي بالخارج به نفس زجاجتك ولكن أرخص كثيرا.
مال إلى وكأنه سوف يحكي لي بسر خطير
- أصدقك
القول أني لم أدخل هذه الأماكن منذ ردح من الزمن، ولكن صاحب الخراف أمرني
أن آت إلي هذا المكان, فيبدوا أنه يوجد في هذا المكان صفقة. خروف جديد سوف
أضمه إلي الخراف هذه الليلة.
- الخروف رقم مائتين ؟
- أجل, وأنت ما الذي أتي بك إلي هذا المكان, يبدوا لي أنك لا تشرب الخمر هل أتيت أنت أيضا لأجل صفقة معينة ؟
- كلا أيها الصديق, أنا فقط إنسان متعب, وليس لي مكان أذهب إليه.
- لابد أن زوجتك قد أغضبتك
- كيف عرفت؟
- هذا هو الشيء العادي أيها الصديق, ولكن أنت مسيحي, أليس كذلك؟
- أجل.
- اليوم يوم أحد, إذا كنت لا تجد مكان تذهب أليه, لماذا لا تذهب إلي الكنيسة؟!
- اللعنة عليك يا رجل, هل جئت إلى هنا لتعظني؟
قال بهدوء
- كلا
بالطبع, أنت قلت أنك لا تجد مكانا, وأنا أعتقد أن هذا البار ليس مكانك,
فتساءلت لماذا لم تذهب إلي الكنيسة, إنني لم أدعوك إلى كنيسة ولكني أسال
فقط.
- ماذا أفعل داخل الكنيسة ؟
- تصلي, تعلن أنك أبن ليسوع
- ولكني لست كذلك, ولا أحب أن أكون كذلك.
- آلم تقل أنك مسيحي ؟!
- هذا هو المكتوب في شهادة الميلاد يا رجل ولكني لا أحب أن أكون ابنا ليسوع
- لماذا ؟
- لماذا, لماذا؟ هذا شأني, أني لا أشعر بالإحتياج إلي يسوع.
- نعم … أفهمك .. أفهمك كثيرا … الأمور علي ما يرام, العمل جيد والراتب جيد والحياة جيدة, فماذا تحتاج من يسوع بعد؟
سرني هذا التعاطف فقلت له مؤيداً
- أليس كذلك؟ أننا في حالة استقرار نسبي الآن, بينما والحرب ..
- ماذا عن الحرب, هل سلمت حياتك ليسوع أثناء الحرب.
- كلا, ولكني كنت دائما أصلي كي ينقذنا.
- وهل أنقذك ؟
- كلا , ولكن الحرب انتهت .
وأطلق الرجل ضحكة كبيرة عندما قلت له هذه العبارة وقال:
- ومن الذي أنهاها يا رجل, ومن الذي حفظك سالما أثناءها ومن الذي أطعمك وأسقاك وأنت لا تجد قوت يومك
ووقف فجأة … فقلت له
- لماذا قمت؟ هل ترحل … أجلس, لا أحب أن أذهب إلي البيت الآن.
قلتها له وكأني أقولها لصديق حميم ونسيت أني لم أعرفه إلا منذ دقائق قليلة, والغريب أنه رد علي بنفس تلك الطريقة التي كلمته بها.
- ومن سيذهب إلى البيت. لنخرج من هذا المكان الخانق, أريد أن أريك حظيرة الخراف.
وخرجنا
معا كأعز الأصدقاء, وهو يضحك وأنا أشاركه الضحك دون أن أعرف لماذا؟ ولو
كنا شربنا الخمر لقلت أنها قد لعبت برؤوسنا!! وعلي مسافة عشرة دقائق من
السير وقف فجأة وقال
- وصلنا … تعال إلى حظيرتي, ربما لن تخرج منها.
أخذت
أنظر باندهاش, أنها الكنيسة, وددت لو غضبت لكني لم أستطع علي الرغم من
أنني شعرت أن هذا الشخص قد ضحك علي, ولكني قلت في استسلام
- إذن أنت راعي هذه الكنيسة.
- أجل … تلك الكنيسة ذات المائة والتسعة والتسعين عضواً.
فهمت
معني كلامه ودخلت, أدخلني إلي غرفة صغيرة بها مكتبة وبعض الكراسي ومكتب
صغير, ولكنه لم يجلس علي أي من هذه الأشياء المعدة للجلوس بل جلس علي
الأرض وأشار إلى وقال:
- أجلس
وجلست بينما هو يحكي
- هنا
غرفة الصلاة, أصلي لأجل مائة وتسعة وتسعون رجلا وامرأة, أعرف ظروفهم
وأحوالهم ومشاكلهم وطلباتهم, لم يخذلني الرب أبدا, أجد الاستجابة لكل أمر
وأجد الفهم. إن يسوع هو الراعي الحقيقي لهؤلاء المائة والتسعة والتسعين.
لم يضع أحد منهم ولن يضيع أحد لأنهم في رعاية الراعي الصالح. أنا فقط
أباشر العمل, ألاحظه.
ضحكت وقلت
- وتأتي بالجديد
أطلق ضحكة رنانة ارتعش فيها كرشه الضخم وقال
- يسوع
هـو الـذي يأتي بالجديد , هو يعرف الذين له يا رجل . تعرف أن الإنسان كائن
غريب جدا . الرب يحميك من كثير من الشرور وهو يعتبر أن الأمر عادي جدا .
تماما مثل الخروف الذي لا يرى الذئب وهو مقبل عليه
, ولكن الراعي يراه فيبعد الذئب وفي سبيل هذا يجرح وتتخرق ملابسه وعندما
يراه الخروف يقول في نفسه ” ما بال الراعي يأتي بي إلى أرض عشبها قليل ,
ولمـاذا لا يعتنــي بنفسه ويلبس ملابس أفضل ” . الإنسان أيضا هكذا أيها
العزيز .. معجزات تحدث له كل يوم تثبت عناية الله والإنسان يصرخ أين هي
عناية الله ؟
لم أجد ما أرد به عليه فقال:
- قل لي, متى بدأت عملك؟
- بعد الحرب مباشرة.
- ألا تظن أن هذا الأمر ليس نعمة؟ … كم شخص معطل عن العمل إلى الآن؟
- كثيرون
- أجل كثيرون, وما هي علاقتك برئيسك في العمل؟
- رائعة.
- أليس هذا نعمة؟ كم شخص معذب في عمله ولا يطيق رئيسه.
- إنها الصدف.
- أجل, هي الصدف … قل لي, هل أنت سعيد في زواجك وزوجتك هل تحبك وتوفر لك كل أسباب السعادة؟
- أجل
ابتسم القس ولم يكرر التعليق بل قال
- وهذه أيضا صدفة, قل لي, هل زوجتك تعبه هذه الأيام, هل تعرف عنها أنها متألمة من شئ معين؟
- أجل, واعتقدت أنها متضجرة بسبب الوحدة.
- هل
رأيت يا رجل؟ زوجتك التي تحبها لا تعرف حاجتها, لكن الرب يعرف ويسدد,
زوجتك كانت تتمنى طفل وربما تأخرها في الإنجاب هو الذي جعلها تقبل يسوع هل
تعرف أنها الآن مسئوله عن كثير من الأطفال في مدارس الأحد وهذا ساهم في
تسديد بعض احتياجاتها في هذا الموضوع وفي نفس الوقت أسعد الكثير من
الأطفال وأفادهم ؟ .
- وهل هذا كافي؟
- إنني لا زلت أطلب لأجلها, وكثير من أعضاء الكنيسة يطلبون ويشاركونها الصلاة. والرب في الوقت المناسب سوف يستجيب.
قلت له
- وإذا لم يستجيب؟
- بل سوف يستجيب … أنا أثق من هذا, لم أقل أنه سوف يعطيها طفل, ولكنه سوف يسد الجوع الذي تشعر به تجاه هذا الأمر, ربما يعطيها طفل وربما سوف يشبعها بوسيلة أخري, الرب يسدد الاحتياجات أيها العزيز.
وأشار إلي صورة علي الزاوية للمسيح وعلي رأسه إكليل الشوك وقال
- الرب أيها العزيز صلب لكي يسدد الاحتياجات .. ألا تفهم ؟
نظرت إلى الصورة وأنا شارد بينما هو قال
- ما الذي يجعله يتألم هكذا, أنه لم يكن مضطرا لولا محبته لخرافه, أراد أن يذبح عوضا عنهم حتى يعيشوا هم أحياء بعد أن أماتتهم الخطية.
دمعت عيناي وقلت
- إذن الأمانة والمحبة والعمل بضمير صالح بدون المسيح …
أكمل هو
- بالنسبة
لله لا شئ, لن يستطيع الإنسان أن يكون كاملا كي يرضي الله القدوس الكامل ,
بينما إذا اختفي ذلك الإنسان خلف عمل المسيح الكامل يصير هو أيضا كاملا
قلت في نفسي
- كم أنت مسكين أيها المهندس غسان
نظر الي متطلعاً ومتساءلاً
- ماذا تقول؟
خرجت مما أفكر فيه وقلت
- أليست هذه غرفة للصلاة ؟
- أتريد أن تصلي ؟
- إبدأ أنت بالصلاة لأجلي
- وأنت,
فتش عن تلك الأمور التي تغضبك من إلهك, من كلامك فهمت أنه يوجد حائل بينك
وبين إلهك, تحمله مسئولية أشياء وتنتظر منه أشياء وجدته لا يعملها .. صلي
.. واطلب منه الفهم, اخرج له كل ما في قلبك.
***
وصلينا
فتحت
قلبي كما لم أفتحه من قبل, ووجدت كثير من الإحتياجات تتدفق, وشعرت بيسوع
كأب حنون يحتويني ويهدئ من روعي, وجدت سنين الحرب تركت شروخا كنت أخفيها
ولكنها ظهرت بالصلاة, شعرت بأيدي يسوع يلملم تلك الجراحات, وعرفت أنه بدون
يسوع كل شئ بلا طعم وسخيف, كم هي مظلمة تلك السنين التي قضيتها بدون يسوع.
وجاء الصباح, وفيه أصبحت إنسانا جديدا.
***
قال الراعي وأنا أترك المكان
- عندما تصلي إلى البيت أشكر زوجتك
- لماذا ؟
- كانت تصلي لأجلك كل يوم, وعندما رأتك بجانب الكنيسة لم تتجاهل ذلك, بسرعة دخلت وطلبت مني أن أركض وراءك , فتبعتك إلى ذلك البار.
- كنت صيدا إذن, شكرا لك ولها, إلى اللقاء.
- أين ستذهب؟
- إلى البيت أغسل وجهي وأخبر زوجتي , ثم أذهب إلى عملي
- ذكرتني , ما أسم مديرك؟
- المهندس غسان
نظر الى مندهشاً ثم كرر الأسم
- غسان ؟!
ثم انطلق ضاحكا تاركا لكرشه العنان وقال
- عندما تذهب إلي عملك اليوم أدخل إلى مكتب السيد غسان واخبره بما حدث لك .
- السيد غسان ؟! لا أعتقد انه يحب الحديث عن هذه المواضيع في المكتب
مرة أخري ضحك كثيرا وقال
- بل أخبره, أنها شهادة لابد أن تؤديها, ولا تنسي إن أغضبك بكلامه أن توبخه, هل تفهم؟
- حسناً.
قلتها دون أن أفهم, أوبخه علي أي شئ ولكني لم أعلق مددت يدي إليه فامسك بها وسألني
- سؤال أخير, هل أكتب اسمك في حظيرتي؟
أبتسمت له واستخدمت نفس المصطلحات التي أستخدمها معي وقلت له
- أجل, لقد تمت الصفقة بنجاح, أنا الخروف رقم 200 والآن عليك أن تبحث عن رقم 201
- هذا
ليس عملي هو عمل الراعي … أنا مجرد خروف ومسؤول بعض الشيء عن بقية الخراف
… ربما لأني متقدم قليلاً في المعرفة والاختبار … ولكن عندما يعطيني
الراعي الأمر سوف أتوجه الي الخروف رقم 201 وأضمه للحظيرة … ولكن
- ماذا؟
- ربما
لا يوجه لي أنا هذا الأمر … ربما يوجهه لك أنت … فهذا ليس عملي وحدي … أنا
والمائتي خروف عليهم أن يرشدوا الخروف رقم 201 إلى مكان الحظيرة … بمعنى
آخر أنه عملك أنت أيضا, ابحث عنه أيضا معي.
***
دخلت
العمل وأنا سعيد ومبتهج رغم أنني تأخرت أكثر من ساعتين, ولائحة الجزاءات
فتحت بتلقائية, وسجل أسمي في القائمة … لكني لم أكترث, فهذه هي المرة
الأولي والأخيرة التي سوف يحدث فيها هذا. فأنا وزوجتي كنا نحتفل بذلك
التغيير الذي حدث لي والفرحة كانت تغمرنا.
والآن علي أن أبحث أنا أيضا عن الخروف الأول بعد المائتين , لماذا لا يكون هو السيد غسان ؟.. سأحاول
دخلت إليه وقلت له :
- معذرة يا سيد غسان عن تأخري ولكن عندي خبر مهم
- أجلس أيها الصديق, هذه أول مرة تتأخر هكذا, لا عليك, ماذا عندك من أخبار؟
- لقد تعرفت علي أعظم شخصية بالأمس وسلمته حياتي بالكامل
ابتسم غسان ولمعت عيناه وقال
- أيها العزيز, هل تقابلت مع المسيح بالأمس؟ هل سلمت حياتك له؟
استغربت من كلامه وقلت
- كيف عرفت ؟
- لقد كنت موجوداً والقس فيليب يلحق بك بالأمس … ثم … لقد كنت أصلي لك منذ أن عملت معي ؟
- تصلي لأجلي ؟ هل أنت تعرف المسيح ؟
- منذ سنوات كثيرة
وصدق ظن الراعي إذ شعرت بالغضب كثيرا , قلت له
- هل تعرفه وتحرمني منه طوال هذه المدة, أنت السبب الرئيسي الذي عطل مجيئي للمسيح طوال هذه السنوات .
- كيف !!
- حياتك
الرائعة دون أن تشهد ولو مرة واحدة عنه جعلت إمكانية أن أعيش بدونه سهلة,
وأنا الذي أردت أن أشهد لك عنه فور قبولي ؟! أين محبتك لي؟
قال معتذرا
- يا
عزيزي, سامحني, أنا لا أعرف كيف أشهد, شخصيتي وطبيعة عملي جعلتني لا أعرف
كيف أتكلم عنه كما يجب, ولكنني من خلال عشرتي مع الله أتقنت فن الصلاة.
ربما لم أشهد لك ولكني أعرف أن صلاتي شاركت في إحضارك لحظيرة المسيح,
والآن دعنا نعمل معا ونصلي معا, أنت تشهد وأنا أصلي لك, هل نتفق؟ .
- نتفق .
- أما الان … أعطيك بقية اليوم أجازه حتى تذهب لتنام .. أنت لم تنم الليل كله ولنلتق أيها الصديق غدا .