1 - نظرية الإغماء:
لم
يمت المسيح على الصليب، لكن أُغمى عليه فقط. وعندما وُضع في قبر يوسف
الرامي كان حياً، وبعد بضع ساعات، في هواء القبر البارد، قام وخرج من
القبر .
أول
من نادى بهذه النظرية رجل اسمه فنتوريني منذ نحو قرنين. وتنشرها في هذه
الأيام طائفة الأحمدية التي مركزها لندن. وتقول النظرية إن المسيح سُمر
على الصليب فعلاً، وإنه قاسى جداً من الصدمة ونزيف الدم والألم، فأُغمى
عليه، ولكنه لم يمت. ولما كانت المعرفة الطبية في ذلك الوقت محدودة فقد
حسبوه مات، حتى أن بيلاطس اندهش من موته السريع . وأنزلوه من الصليب
باعتبار أنه مات ثم وضعوه في القبر. وهناك بعد الراحة والبرودة أفاق وخرج
من قبره. وقد ظن تلاميذه الجهلة أنه قام من الأموات، ولم يفطنوا لحقيقة ما
حدث. ويقولون إن رائحة الأطياب التي وُضعت وسط الأكفان ساعدت على إفاقته!
وللرد على هذه النظرية نقول:
1 - إن المسيح مات فعلاً على الصليب بشهادة العسكر الرومان، ويوسف ونيقوديموس.
أليس
غريباً أن هذه النظرية لم تخطر ببال أحد من معاصري الصلب، أو من جاءوا
بعدهم طيلة القرون السابقة، رغم مقاومتهم الشديدة للمسيحية؟ إن كل السجلات
القديمة تشهد أن المسيح مات فعلاً.
قاسى
المسيح الآلام التالية قبل الصلب: الحزن العميق في البستان، القبض عليه
في منتصف الليل، المعاملة الوحشية في دار رئيس الكهنة وفي دار الولاية،
الرحلة المضنية بين بيلاطس وهيرودس والعودة، الجلد الروماني الرهيب، السير
إلى الجلجثة، الوقوع تحت حمل الصليب، عذاب الصلب المخيف، العطش والحمى
على الصليب. لقد كان كثيرون من المصلوبين يموتون في أثناء عملية الصلب
لفرط التعذيب. لذلك لا يمكن مطلقاً افتراض أن المسيح يمكن أن يحتمل كل هذا
الألم ويبقى حياً، رغم ضعفه ورقته (12).
هل
كان يمكن أن يحتمل المسيح عذاب الساعات الست وهو معلق على الصليب
والمسامير تمّزق يديه وقدميه، ثم يصرخ ويسلّم الروح، ثم يطعنه عسكري
روماني بالحربة في جنبه، ويوضع في قبر مغلق، ثم يقوم بعد هذا كله في اليوم
الثالث ليظهر للتلاميذ بكل الحيوية والقوة؟
هل
يمكن بعد إغمائه أن يُطعن بالحربة في جنبه للتأكّد من موته، ثم يضعونه في
قبر حجري مغلق، في وقت الفصح الذي فيه تشتد البرودة ليلاً في فلسطين،
بدون علاج لجروحه، ملفوف في قماش ملتصق بالأطياب، ثم يفيق بعد ذلك؟
إننا نحسب أن هذه كلها كانت تؤدي إلى موته، ولو أنه كان مغمى عليه عندما دُفن!
وكيف
كان يقوم من إغمائه، ضعيفاً، مجروح القدمين ليفكَّ الأكفان المربوطة
بإحكام حوله والمثقلة بنحو سبعين رطلاً من الأطياب، وليزحزح الحجر الضخم
عن القبر، الذي قلقت ثلاث نسوة من زحزحته، ثم يمشي المسافات الطويلة على
قدميه الجريحتين من المسامير الغليظة؟ وكيف للجريح الجائع المنهك القُوى
أن يهرب من الجنود الرومان الذين يحرسون القبر، وكيف يظهر في نفس اليوم
لتلاميذه بالصورة القوية التي شدَّت ولاءهم وعبادتهم؟
وكيف
كان يصرف أربعين يوماً في فلسطين مختبئاً معظم الوقت، يظهر خلالها
لتلاميذه على غير انتظار منهم، ويرسلهم ليحملوا رسالته للعالم كله، ويعدهم
بأنه معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، ثم يرونه بعيونهم صاعداً عنهم إلى
السماء!!
لم
يشكّ اليهود والجنود الرومان والجموع المحتشدة حول الصليب في أنه مات.
واندهش بيلاطس من سرعة موته، لكن قائد المئة أكّد له أنه مات. وعندما طعنه
الجندي بالحربة في جنبه لم يتحرك الجسد، بل خرج دم وماء، علامة موته
الأكيد منذ فترة. ولم يشكّ أعدى أعدائه (شيوخ اليهود) في أنه مات. شكوا في
أن تلاميذه قد يسرقون جسده، ولكنهم لم يشكوا في حقيقة موته وهم يشاهدونه
يسلم الروح. ثم جاء أحباؤه وأنزلوه من على الصليب، دون أن تبدو منه حركة،
مثلما لم تَبْدُ منه حركة عند طعنه بالحربة، بل رقد مائتاً بين أذرعهم
فرفعوه وحملوه بعيداً ولفّوه بالأكفان ووضعوه في القبر!... فهل نصدق أن
المسيح الكامل يخدع تلاميذه والعالم كله، قائلاً إنه قام، بينما هو في
الحقيقة قد أفاق فقط؟! إن هذا أبعد احتمالاً من حقيقة القيامه نفسها!
2 - لم يَرَ التلاميذ أن المسيح قد أفاق من مجرد إغماء!
لسنا
نظن أن شخصاً تسلل من قبره في ضعف وإنهاك، وفي حاجة ماسة إلى علاج طبي
وتضميد لجروحه، وفي أشد الحاجة إلى فترة للنقاهة، يقدر أن يؤثّر على
تلاميذه بأنه قاهر الموت والقبر، وأنه رئيس الحياة، ثم يرسلهم بسلطان لكي
ينشروا رسالته في العالم كله! ما كان يمكن لمثل هذا الواهن الجريح أن يبدّل
حزن تلاميذه إلى حماسة، ويرفع احترامهم له إلى درجة العبادة! هذا
الاقتباس هو من كلمات دافيد فردريك ستراوس الذي لا يؤمن بالقيامة! قاله
وهو ينفي نظرية الإِغماء! (19).
عندما
ظهر المسيح لتلاميذه في العلّية كانوا خائفين، وقد أخذوا يعدّون العدَّة
للرجوع لأعمالهم الأولى التي كانوا يزاولونها قبل التعرُّف عليه.. وحالما
رأوه امتلأوا بالفرح والشجاعة والحيوية، وقرروا الاستمرار في التلْمذة له،
ونشر رسالته. فهل كان يمكن أن المسيح الجريح الضعيف يبعث فيهم كل هذا
الحماس؟
وهناك
فكرة أخرى: إن الذين يقولون إن المسيح أفاق من إغماء، ولم يمت، لا بد أن
يقولوا إنه كان قادراً على إجراء معجزة أخرى هي التخلُّص من الأكفان التي
كانت تلفّ جسده بقوة حول كل ثنيات جسده. وكانت الأطياب مواد لاصقة تلصق
الأكفان ببعضها وبالجسد. ولكن الأكفان بقيت ملتصقة بهيئتها الأولى بعد أن
انسحب الجسد منها. ولقد زحزح صاحب الجسد الضعيف الحجر الثقيل، وخرج دون أن
ينتبه العسكر أو ينزعجوا، ثم خطا فوقهم ومشى! ولا بد أن معجزة حدثت حتى أن
هذا المغمى عليه، الذي أفاق، يسير على قدميه إلى قرية عمواس التي تبعد
عشرة كيلو مترات عن أورشليم! (لوقا 24: 13).
لقد
سار المسيح على قدميه، اللتين ثقبتهما المسامير، من أورشليم إلى عمواس،
ثم اختفى عن التلميذين وسبقهما ليقابل باقي التلاميذ في علية أورشليم. فهل
يمكن لمغمى عليه أفاق أن يفعل هذا كله؟
لو أننا صدقنا نظرية إفاقة المسيح من إغماء، لوجب أن نحذف من الأناجيل قصةالقيامه والصعود، فلا بد أن المسيح اختفى عن تلاميذه ليموت بعد ذلك بعيداً عنهم جميعاً. فالذي أفاق من إغماء لا بد سيواتيه الموت بعد ذلك.
ولو أن هذه النظرية صَدَقت لكان التلاميذ مخدوعين، يموتون لأجل إيمان بمسيح مخادع مختفٍ عنهم حتى يواتيه أجَلَهُ!
ثم: أليس غريباً أن شخصاً يؤلّف نظرية في القرن الثامن عشر يفسّر بها القبر الفارغ؟! لقد انهارت نظريته ولم يعُدْ أحدٌ يأخذ بها.
2 - نظرية السرقة:
سرق تلاميذ المسيح جسده وقالوا إنه قام! .
ويسجل
متى منشأ هذه النظرية فيقول: قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَا
جْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ
فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلَامِيذَهُ أَتَوْا
لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذ لِكَ عِنْدَ
الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ .
فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا
الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ (متى 28: 11 - 15).
وتتضح
من كتابات جستن الشهيد وترتليان وغيرهما أن هذه النظرية كانت منتشرة بين
اليهود، ففي محاورة جستن وتريفو رقم 108 نقرأ حديث اليهود عن واحد اسمه
يسوع، جليلي مخادع صُلب، ولكن تلاميذه سرقوا جسده ليلاً من القبر الذي
وضعوه فيه بعد إنزاله من على الصليب. وأعلن التلاميذ أنه قام ثم صعد إلى
السماء (12).
وفي
دفاع ترتليان رقم 21 يقول: وُجد القبر فارغاً إلا من الأكفان. ولكن شيوخ
اليهود الذين أرادوا إخضاع الناس لأفكارهم، نشروا الكذبة التي تقول إن
تلاميذه سرقوه، أو أن البستاني أخفى الجسد حتى لا يجيء الزّوَار ويدوسوا
على الخسّ الذي كان يزرعه في البستان! .
وفي كتابة يهودية من العصور الوسطى أن التلاميذ سرقوا الجسد قبل دفنه، ثم أدُّوا تمثيلية القبر الفارغ، وأجَّلوا إعلان
وللرد على هذه النظرية نقول:
1 - لا زلنا محتاجين لتفسير لحقيقة القبر الفارغ!
خلا
القبر بفضل معجزة إلهية أو بعمل يد بشرية. ولم يكن لأعداء يسوع مصلحة في
نقل الجسد، ولم يكن لأصدقاء يسوع قدرة على نقله. وكان من مصلحة المسئولين
في الحكومة أن يبقى الجسد حيث هو. وسرقة التلاميذ لجسد المسيح مستحيلة،
فلا بد أن يد اللّه هي التي تدخَّلت لتجعل القبر فارغاً!
ويقول
لي كامو: إن كان يسوع قد وُضع في القبر يوم الجمعة ولم يُوجد به يوم
الأحد، فإنه يكون إما قد نُقل أو أنه خَرَجَ من القبر بقوة نفسه! ولا يوجد
بديل ثالث. فهل نُقل؟ من نقله: أعداؤه أم أصدقاؤه؟ إن الأعداء أحاطوا
الجسد بالعسكر ليحفظوه داخل القبر، فليس لهم مصلحة في نقله، بل إن نقله
يرّوج أكثر لفكرة قيامته التي سيخترعها التلاميذ. ولذلك فإن بقاءه في القبر
يساعد أعداء المسيح على القول: هذه هي جثته... إنه لم يقم .
أما عن أصدقائه فإنهم لم يملكوا القوة ولا النية على نقله (20).
ولم يستطع الجنود أن يعطوا تفسيراً للقبر الفارغ، فرشاهم رجال السنهدريم ليرّوجوا كذبة سرقة التلاميذ للجسد وهم نيام!
2 - سرقة التلاميذ للجسد شرح غير معقول للقبر الفارغ.
(ا)
لم يناقش أحدٌ العسكرَ في تفسيرهم للقبر الفارغ أن التلاميذ سرقوا الجسد
وهم نيام، فإن رؤساء اليهود استعطفوا الوالي، فلم يعاقب العسكر (متى 28:
11).. ولكن الحقيقة هي أن العسكر قدموا أعظم برهان على القيامة، فإنهم لم
يكذبوا وهم يخبرون الكهنة بما رأوه: لقد صدَّق شيوخ اليهود العسكر، وكان
عليهم أن يجدوا تعليلاً لسر القبر الفارغ، بدون مناقشة لهم.
(ب)
اتخذ اليهود والرومان احتياطات كثيرة حتى لا يُسرَق القبر. وكانت هذه
الاحتياطات عقبات في طريق التلاميذ، إن هم أرادوا أن يسرقوا القبر. قال
اليهود لبيلاطس إنهم يخافون من خدعة جديدة هي القيامة، وعندنا كل الدليل
على أنهم بذلوا الجهد ليمنعوا التلاميذ من سرقة الجسد.. وهذا في حدّ ذاته
دليل على أن التلاميذ لم يحاولوا سرقة الجسد، فكيف لجماعة الصيادين اليهود
البسطاء أن يهاجموا الجنود الرومان المسلَّحين؟
(ج)
إن جُبْن التلاميذ برهان على عجزهم عن مهاجمة الجنود الرومان لسرقة
الجسد، فلم يكن مزاجهم النفسي يسمح لهم بعمل شيء من هذا. لقد هربوا عند
محاكمة المسيح، وبعد صلبه اختبأوا في علّية.. فكيف يجرؤون على سرقة جسده؟
لقد أنكر قائدهم، بطرس، المسيح وحلف ولعن أنه لا يعرفه، وذلك حتى يَخْلُص
بجلده من اتّهام جارية، فماذا جرى لبطرس بعد ساعات قليلة ليجعله يهاجم
الحراس؟ لقد أنكر ثلاث مرات أنه يعرفه! فكيف يعرض نفسه لموت أكيد لو أنه
هاجم الحراس، وبخاصة بعد أن مات المعلّم وضاعت كل آمالهم في أنه المسيا؟
إن مجرد التفكير في سرقة الجسد لم يحدث، بسبب المزاج النفسي الذي كان التلاميذ فيه.
(د) لو أن العسكر كانوا فعلاً نائمين، فكيف عرفوا أن الذين سرقوا الجسد هم التلاميذ؟!
قال
القديس أغسطينوس: إنهم إما كانوا نائمين أو مستيقظين. فلو كانوا مستيقظين
لما سمحوا بسرقة الجسد. ولو كانوا نائمين لما استطاعوا أن يحكموا بأن
الجسد قد سُرق وأن سارقيه هم التلاميذ، فإن النائم لا يدري بما يحدث من
حوله! إنها أكذوبة تهدم نفسها، إذ أن نصفها الأول يكذّب نصفها الثاني، لأن
الحراس النائمين لا يمكنهم معرفة ما حدث.
لقد
كان العذر الذي ساقه العسكر عذراً سخيفاً، فكيف ينام كل الحراس؟ وكيف
ينامون كلهم ونوبة الحراسة هذه هامة لأن هناك تحذيراً مسبقاً من احتمال
سرقة الجسد؟
إن
القصة التي قدّمها العسكر عن سرقة الجسد كانت سخيفة حتى إن متى لم يشأ أن
يردّ عليها! إن شهادة العسكر بسرقة التلاميذ لجسد المسيح تنفيها
اعترافاتهم بأنهم كانوا نائمين.
(ه-)
لم يكن ممكناً أن ينام كل الحراس، لأن هذا يعني توقيع حكم الإعدام عليهم.
لقد كان الإعدام حكماً على الجندي الذي ينام في نوبة حراسته، فهل يقبل
الحراس رشوة تكلّفهم حياتهم؟! الذي حدث أنهم أخذوا الرشوة، وذهبوا إلى
قائدهم وقالوا له الحق! وهل كنا ننتظر منهم أن يفعلوا غير ذلك؟ يضحكون على
الكهنة ويأخذون رشوتهم، ويخبرون الوالي بما حدث فعلاً!
وسؤال
آخر: لو أن الوالي عرف أن التلاميذ سرقوا الجسد ليلاً في أثناء نوم
الحراس، فلماذا لم يُحضر التلاميذ ليجري التحقيق معهم؟ إن كسر الختم
الروماني معناه الموت! فلماذا لم يحكم الوالي على التلاميذ بالموت صلباً؟
أو لماذا لم يجبرهم على إحضار الجسد الذي سرقوه!؟
(و)
لقد كان الحجر كبيراً جداً، فحتى لو أن الحراس كانوا نائمين لاستيقظوا
على صوت دحرجة الحجر. إن محاولة التلاميذ دحرجة الحجر الكبير وكسر الأختام
وأخذ الجسد كانت تُحدث ضوضاء كافية لإيقاظ بعض العسكر على الأقل!
(ز)
إن بقاء الأكفان في حالتها، برهان صامت على أن أحداً لم يسرق الجسد، فليس
لدى السارق الوقت الكافي ليسحب الجسد من بين الأكفان ثم يرتّب الأكفان
بالوَضْع الذي كانت عليه! إن الخوف كان يجعلهم يسحبون الجسد من الأكفان
بعجلة فيتركون القبر في حالة من الفوضى!
إن
الوصف الذي تقدمه الأناجيل لحالة الأكفان يبعث على الدهشة والتساؤل عمن
كان يملك الوقت والهدوء والتنظيم ليسحب الجسد من الأكفان، ويُبعد المنديل
من على الرأس. والمجرمون لا يتركون مكانهم منظماً لأنهم يخافون من إلقاء
القبض عليهم. يقول جريجوري النزينزي الذي كتب منذ 1500 سنة: إن غطاء الرأس
(المنديل) الذي كان ملفوفاً في موضع وحده والأكفان الموضوعة بنظام، تُظهر
أن خروج الجسد كان في هدوء وراحة، وتدِين فكرة سرقة الجسد . ويقول القديس
يوحنا فم الذهب في القرن الرابع: إن الذي يسرق كان سيأخذ الجسد ملفوفاً
بأكفانه، لا لكي يستر الجسد العزيز عليه وحسب، بل ليسرع بالجسد ملفوفاً
حتى لا يُلقوا القبض عليه. إن المرّ يلصق الكفن بالجسم، فلم يكن هناك وقت
لتخليص الجسد من كفنه. إن قصة سرقة الجسد غير معقولة (14). هل فات
التلاميذ غضب اليهود وما يمكن أن يفعلوه بهم؟ ثم ماذا يعود على التلاميذ
من سرقة الجسد إذا كان معلمهم قد مات ولم يقم من الأموات؟
ويقول
جرينليف أستاذ القانون: إن يوحنا وهو يرى الأكفان صدّق أنه قام، فلا يمكن
أن عدواً أو صديقاً يترك المكان بمثل الترتيب الذي كان القبر عليه، لو أن
جسد المسيح سُرق منه (4).
ويقول
هنري لاثام: لم يذكر أحد شيئاً عن الأطياب. لو أن الجسد سُرق، مع ترك
الأكفان داخل القبر، لوقعت الحَنوط والأطياب من المرّ والعود على أرضية
القبر ومدخله، ولصارت دليلاً على السرقة. ولكن إغفال ذكرها دليل على أنها
بقيت بين طيات الأكفان (10).
(ح)
لم يكن هناك ما يدعو التلاميذ لسرقة الجسد، فإن الجسد كان يرقد في تكريم
في قبره. قام يوسف الرامي تجاه الجسد بالواجب كله، ولم يطلب من التلاميذ
نقل الجسد. ولم يكن ممكناً أن هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا مع المسيح ثلاث
سنوات، يكذبون. كان وسطهم يهوذا الخائن، لكنه كان قد مات منتحراً. أما
الأحد عشر فقد كانوا يسمعون وعظ المسيح عن البر والحق. ولم يكن ممكناً أن
يجتمع الأحد عشر ليتفقوا على سرقة الجسد والكذب معلنين أنه قام! (3).
(ط) لم يكن التلاميذ قد أدركوا بعد معنى القيامة، فكيف يزّورون فكرةالقيامه بالسرقة؟ (أنظر ما جاء في لوقا 24). بل أن التلاميذ اندهشوا عندما عرفوا
أنه قام! ومن الواضح أنهم وهم في هذه الحالة ما كانوا ليزّوروا ويخدعوا
ليقنعوا الناس بما لم يدركوه بعد!
لقد ملك اليأس قلب التلاميذ حتى أنهم كانوا شبه أموات من الخوف لا يجسرون على الحركة! فهل كان يمكن أن يسرقوا لينشروا فكرة القيامه التي لم يصدّقوا بها؟ وهل كان يمكن أن يحتملوا الاضطهاد الذي وقع عليهم
لو أنهم كانوا يعلمون أنهم مخادعون مضلّون لصوص؟ إنهم لم يكونوا يعرفون
الكتب التي قالت إنه سيُصلب وفي اليوم الثالث يقوم.
(ي)
احتمل التلاميذ كل تعذيب لأجل بشارة القيامة، حتى الموت، ولم يتراجع واحد
منهم أمام التعذيب ليعترف أن القصة ملفَّقة! لقد احتملوا كل ضرب وجلد
وسجن وجوع وموت دون أن ينكر واحد منهم حقيقة القيامة!
إن ما نعرفه عن شخصيات التلاميذ المستقيمة وأمانتهم الكاملة تجعلنا نستبعد تماماً أن يكذبوا ويسرقوا لينشروا كذبة خلقوها بأنفسهم!
ولو
أن بعضهم قاموا بالسرقة وخدعوا زملاءهم لاكتشف الزملاء هذا الخداع ذات
يوم، فقد كانوا يعيشون في قرب قريب من بعضهم! إن تعاليم التلاميذ
الأخلاقية، ونوعية حياتهم، وثبوتهم في وجه الاضطهاد تجعلنا نرفض فكرة
سرقتهم للجسد.
ويقول
ولبر سمث إن كثيرين من علماء اليهود يرفضون فكرة سرقة التلاميذ للجسد،
بما فيهم كلاوزنر الذي قال إن التلاميذ كانوا أشرف من أن يأتوا بمثل هذه
الخديعة (21).
وهل
كانت سرقة الجسد تسمح لبطرس أن ينادي رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل بكل
شجاعة معلناً أن يسوع قام؟ (أعمال 4: 8 - 12). لقد كان بطرس يعظ بما آمن
به في عظته يوم الخمسين، حتى ربح ثلاثة آلاف نفس، فآمنوا بما آمن هو به!
ولا يمكن أن يعظ إنسان أكاذيب بمثل هذه القوة! ولقد ظل التلاميذ يكرزون
بالقيامة حتى فتنوا المسكونة (أع 17: 6).
لقد
مات كل التلاميذ ميتة الاستشهاد - فيما عدا يوحنا - لأنهم أعلنوا أن يسوع
قام، والناس يموتون في سبيل ما يؤمنون بصحته، ولا يمكن أن يموتوا لأجل
كذبة اخترعوها!
3 - لا يمكن أن يكون اليهود أو الرومان أو يوسف الرامي قد نقلوا جسد يسوع من مكانه، وذلك للأسباب الآتية:
(ا)
لا يمكن أن يكون اليهود قد نقلوا الجسد. فبعد سبعة أسابيع كان التلاميذ
قد ملأوا البلاد بالكرازة أن يسوع قد قام، حتى تضايق شيوخ اليهود جداً،
فإن التلاميذ حمَّلوهم مسئولية صَلْب المسيح، ملك المجد! ولو أن اليهود
كانوا قد نقلوا جسد يسوع لأعلنوا هذا بسرعة ودحضوا كذبة التلاميذ! ولنادوا
الناس ليروا الجسد. بل لوضعوا الجسد في عربة تجرُّها الجياد وداروا بها في
أورشليم. ولو أنهم فعلوا هذا لقتلوا المسيحية في مهدها!
(ب)
وكان من مصلحة الحاكم الروماني أن تبقى الجثة في قبرها، فإن بيلاطس كان
حريصاً على سلام البلاد، ونقل الجسد يحدث هياجاً - لا داعي له - بين
اليهود والمسيحيين. ولو أن بيلاطس كان يعرف مكان الجسد لأعلن ذلك حتى يقتل
الفتنة في مهدها! فبيلاطس يريد السلام.
(ج)
وما كان يمكن أن ينقل يوسف الرامي الجسد بدون أن يخبر باقي التلاميذ
بذلك. فهو تلميذ مختفٍ. ولو أن يوسف نقل الجسد بدون إفادة التلاميذ،
لأفادهم بذلك بعد أن سمعهم يقولون إن المسيح قد قام.
وخير ما نختم به ردودنا هنا هو أن نقول إنه لو كانت صعوبة الإيمان بقصة القيامه كما أوردتها الأناجيل كبيرة، فإن سُخْف عدم الإيمان ومنافاته للعقل أكثر صعوبة!!
3 - نظرية الهلوسة:
كانت ظهورات المسيح بعدالقيامه خيالات. والذي حدث فعلاً هو مجرد هلوسة من الذين قالوا إنهم رأوا المسيح المقام .
وللرد على هذه النظرية نقول:
قال كلايف لويس في كتابه المعجزات : في أيام المسيحية الأولى وضعوا تعريفاً للرسول بأنه شخص رأى القيامه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بعينيه. وبعد أيام قليلة من الصلب رشَّح التلاميذ شخصين ليحلَّ أحدهما
محل يهوذا، وكان شرط ترشيح كل منهما أن يكون شاهد عيان للمسيح قبل الصلب
وبعده، حتى يشهد للعالم بما رآه من جهةالقيامه(أعمال 1: 22). وبعد أيام قليلة من ذلك وقف الرسول بطرس يقول: فَيَسُوعُ
هذَا أَقَامَهُ اللّ هُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذ لِكَ (أعمال 2:
32). وفي رسالة الرسول بولس الأولى لأهل كورنثوس يقدم بولس ورق اعتماده
كرسول على أنه قد رأى المسيح المقام (18).
ولو
أن ما رآه الرسل كان مجرد هلوسة، فإن إرساليتهم تكون باطلة من أساسها!
ويكون إيماننا المسيحي ظاهرة مَرَضيّة نشرتها جماعة من المرضى العصبيين!
فهل كان ما رآه التلاميذ من ظهورات المسيح مجرد رؤى وخيالات؟
إن
تعريف الرؤيا أنها (على حدّ قول وايس) رؤية شيء لا يتمشَّى مع المنظورات
الحسّية، فلم تتأثر أعصاب العين بذبذبة ضوئية، ولكنها تأثرت بسبب نفسي
داخلي! وفي الوقت نفسه يظن صاحب الرؤيا أن تأثره النفسي الداخلي حقيقة
موضوعية واقعية (3).
فهل كان ما رآه التلاميذ رؤى لا يسندها الواقع؟
إن
وصف العهد الجديد ينفي هذه النظرية. ويقول هلير ستراتون إن المهلوسين لا
يمكن أن يصبحوا أبطالاً! ولكن الذين شاهدوا المسيح المقام كانوا أبطالاً
ذهبوا للموت بأقدام ثابتة من أجل ما رأوه.
ونظرية الهلوسة تناقض بعض ما يقوله الأطباء النفسيون عن الرؤى:
(ا)
إن المصابين بالهلوسة هم عادة أصحاب خيال واسع ومتوتّرون. ولكن المسيح
ظهر لعدد كبير من الناس المختلفين في أمزجتهم، فمريم المجدلية كانت تبكي،
والنسوة كنَّ خائفات ومندهشات، وبطرس كان نادماً، وتوما كان شكاكاً،
وتلميذا عمواس كانا يراجعان أحداث الأسبوع، والتلاميذ في الجليل كانوا
يصيدون.. ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء من المصابين بالهلوسة.
(ب)
الهلوسة ترتبط باختبارات الفرد الماضية المترسبة في عقله الباطن. ويقول
راؤول مورجو العالم النفسي إن ظواهر الهلوسة غير مستمرة ولا متشابهة،
فالهلوسة ليست استاتيكية بل ديناميكية تعكس عدم الاستقرار بسبب العوامل
والظروف المصاحبة لحصولها.
وعلى هذا فمن غير المحتمل أن شخصين تصيبهما الهلوسة ذاتها في الوقت ذاته!
لقد
ظهر المسيح لأكثر من خمسمائة شخص في مرة واحدة.. وليس من المعقول أن يكون
هؤلاء جميعاً مصابين بذات الهلوسة، فإنهم مختلفون نفسياً، ومن خلفيات
وأمزجة مختلفة، والترسُّبات السابقة في عقولهم الباطنة مختلفة، فلا يمكن
أن يُصابوا جميعاً وفي وقت واحد بهلوسة رؤية المسيح (12).
ويخبرنا
العلم عن حالات رأت فيها جماعة من الناس ذات الرؤيا في ذات الوقت، لكنها
كانت مصحوبة بإثارة مَرَضيّة للحالة العقلية مع حالة مرضية بدنية خصوصاً
بسبب عواطف عصبية. فإذا افترضنا أن بعض التلاميذ كانوا في مثل هذه الحالة،
فإننا لا يمكن أن نقول إنهم جميعاً كانوا كذلك، فإنهم مختلفون. لقد كان
تلميذا عمواس يدرسان الحالة بعقل واع، وتوما الشكّاك كان يحلّل الأمور،
وبطرس الصياد الخشن، وأكثر من 500 أخ.. هؤلاء وغيرهم التقوا بيسوع في أوقات
مختلفة (في الصباح عند القبر - في حديث على الطريق - في حلقة صيد عند
البحيرة). هؤلاء جميعاً لم يكونوا في ذات المكان ولا تحت نفس التأثيرات -
وهل يمكن أن كل هؤلاء المهلوسين يُعلنون الخبر نفسه باتفاق كامل في
التفاصيل، ويُقنعون السامعين أنهم عقلاء؟ لا بد أن واحداً منهم سيُراجع
نفسه فيما بعد، خصوصاً بعد أن يقع عليه الضرب والجلد!
إن
المسيح عندما اختار التلاميذ لم يختر مرضى نفسيين، فإنه علم ما في
الإنسان. ولو أنه اختار هؤلاء المرضى لشفاهم. ولو أنه اختار المرضى
لينشروا هلوستهم لكان هو صانع الخطأ وناشر الخداع! وهذا مستحيل! (3).
(ج)
يقول العالمان النفسيان هنزي وشاتسكي من جامعة أوكسفورد: الوهم إدراك حسي
خاطئ، واستجابة خاطئة لما يثير الحواس (23) ثم يقولان: ولكن لدى الشخص
العادي قدرة أن يكشف الوهم، إذ تسرع بقية حواسه لانقاذه منه (23).
ولا
يمكن أن تكون ظهورات المسيح إدراكات حسية خاطئة. ويقول ولبر سمث إن لوقا
عالِم مدقّق يفحص الموضوع الذي يكتب عنه. ولوقا يقول في مطلع سفر الأعمال
إن يسوع أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة، والأناجيل تسجل ما لمسته يدُ
المصادر التي أخذ عنها قصته، وما سمعته آذانهم وما رأته عيونهم.. وهذه هي
البراهين العملية الكثيرة (3).
ويقول سبارو سمبسون إن ظهورات المسيح لمست حواس التلاميذ المختلفة من بصر وسمع ولمس (7) ونرى هذا من الروايات الانجيلية التالية:
أاُنْظُرُوا
يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ
الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي . وَحِينَ
قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ,,. فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ
سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ
قُدَّامَهُمْ (لوقا 24: 39 - 43).
أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلَامِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّأ (يوحنا 20: 20).
قال
توما: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ
إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لَا
أُومِنْ . قَالَ يَسُوعُ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا
وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ
غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً (يوحنا 20: 25 - 29).
لقد رأوا يسوع، ولمسوه، وسمعوه (متى 28: 9 ، 10).
(د)
الهلوسة عادة محدودة بموعد ومكان خاص، وتحدث عادة في مكان وجّو يصعب
استعادته واسترداده، أو في وقت يستغرق فيه الإنسان في الذكريات (24).
ولكن
ظهورات المسيح كانت في أماكن لا تجلب الهلوسة، بحسب كلام علماء النفس.
فلو أن ظهورات المسيح حدثت في مكان أو اثنين لهما صفة قدسية أو ذكريات
خاصة، حيث يكون التلاميذ في حالة انتظار، لقلنا إن هذه هلوسة. ولكن هذا لا
يصدق على ظهورات المسيح. لو أن كل الظهورات حدثت في العلّية، أو لو أن كل
الظهور حدث للأحد عشر في مكان صرف فيه المسيح آخر ساعاته معهم قبل الصلب،
وظل المكان خالياً انتظاراً لعودته، وهم يردّدون وعده بالعودة، حتى تتحول
توقُّعاتهم إلى رؤيا وهمية... لكان لنا الحق أن نقول إن ظهورات المسيح
هلوسة (2).
ولكن
ظهورات المسيح كانت في أماكن كثيرة، ليس لكلها صفة خاصة.. ولم يكن
التلاميذ يتوقعون ظهوره. ثم أنهم لم يروه فقط، لكنهم تحدثوا معه، وكانت
المناقشات في ظروف متعدّدة متنوعة، وكان هناك شهود كثيرون، لم تكن
مقابلتهم له عابرة، بل طويلة عامرة بالحديث!
ظهر صباحاً للنسوة عند القبر (متى 28: 9 ، 10).
وبعد الظهر لتلميذي عمواس في الطريق العام (لوقا 24: 13 - 33).
وفي ضوء النهار عقد محادثتين خاصتين (لوقا 24: 34)، (1 كورنثوس 15: 7).
وذات صباح عند البحيرة (يوحنا 21: 1 - 23).
وعلى جبل بالجليل، ظهر لأكثر من 500 مؤمن (1 كورنثوس 15: 6).
هذه ظهورات متنوعّة، في أماكن متعددة مختلفة، ولا يمكن أن تكون هلوسات رؤى وهمية.
(ه-)
الهلوسة عادة تجيء الأشخاص الذين يتوقَّعون ويرجون حدوث شيء، فتكون
أشواقهم مولِّدة للهلوسة! (24). إن إيمانهم بالفكرة وتوقُّعهم لها
وتشوقّهم إليها تجعلهم يرونها. وعلى هذا فإن رؤية جماعة من الناس لشيء
وهمي يحتاج إلى استعداد نفسي خاص يستغرق وقتاً طويلاً (1) فمثلاً الأم
التي فقدت ابنها في الحرب، والتي كانت معتادة أنه يرجع إلى البيت كل يوم في
السادسة مساء، لو أنها جلست كل يوم في نفس الموعد، في كرسيّها المريح
تتوقع عودته، فإنها أخيراً تظن أنها تراه داخلاً وتحدّثه، وتكون عندئذ قد
انفصلت عن الواقع!
ولكن الذي حدث مع التلاميذ كان غير ذلك. لقد آمنوا بالقيامة بالرغم من إرادتهم. ولم تُخلقالقيامه من داخل عقولهم، لكنها جاءتهم من خارج إرادتهم. لقد صدّقوا قيامة المسيح ببطء شديد، بعد أن ألحَّ عليهم المنطق والحقائق الدامغة!
فاجأ
اليوم الأول للقيامة التلاميذ وهُمْ في اتجاهات فكرية مختلفة، لم يكن من
ضمنها انتظارهم القوي ولا استعدادهم لمشاهدته. كان إيمانهم به قد اهتّزَ
بعد كارثة موته، موت الملعون الذي عُلِّق على خشبة، كما يقول ناموسهم
(تثنية 21: 23) فكانت آمالهم محطَّمة جعلت عودتهم للأمل بطيئة! (1).
بل إن التلاميذ لم يتوقَّعواالقيامه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بالمرة، فمريم تأخذ الحنوط معها صباح الأحد لكي تدهن جسده المسجَى في
القبر. وعندما رأته ظنت أنه البستاني (مرقس 16: 1 ويوحنا 20: 15). وعندما
ظهر للتلاميذ في العلية جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً (لوقا 24:
37) حتى أن المسيح طلب منهم أن يجسُّوه ليؤمنوا! لأن الروح ليس له لحم
وعظام كما ترون لي (11).
ويقول
كلايف لويس إنه في ثلاث حالات من الظهورات كانت الهلوسة بعيدة جداً عن
معرفة أن يسوع قام (لوقا 24: 13 - 31 ويوحنا 20: 15 ، 21: 4) (18).
(و)
تظهر الهلوسة عادة في فترات متباعدة من الوقت بانتظام ملحوظ، وقد يزيد
ظهورها حتى تحدث أزمة، أو يقلّ ظهورها تدريجياً حتى يبطل (24).
ويقول
كلايف لويس إن هذا ليس الحال مع المسيح في ظهوراته. إن الشبح يختفي، ولكن
الشخص الحي لا بد أن يذهب إلى مكان ما ويحدث معه شيء (18). وهذا ما حدث
للمسيح فقد صعد إلى السماء بعد قيامته. لقد توالت ظهورات المسيح مدة
أربعين يوماً ثم توقفت، فيما عدا ظهوره لشاول الطرسوسي في ظروف خاصة. فإن
كانت ظهورات المسيح هلوسة، فلماذا توقفت فجأة؟ ولماذا لم يعد محبّو المسيح
يرونه بعد صعوده رغم شوقهم لذلك. لقد حل محل ذلك قيام التلاميذ ببرنامج
ضخم لتبشير العالم، كلَّفهم الكثير!
لم
يكن التلاميذ ساذجين بل حريصين شكاكين بطيئي القلوب في الإيمان . وعلى
هذا فإنهم لم يكونوا معرَّضين للهلوسة، ولم تكن الرؤى الغريبة تشبعهم، بل
كان إيمانهم مؤسساً على الحقائق الواقعة والاختبارات الحقيقية (2).
ولم
يحدث أن الهلوسة جعلت الناس يقومون بمثل هذا العمل الضخم الناجح، بولاء
ونكران ذات ويقاسون في سبيله. ولم يحدث أن هلوسة حركت العالم هكذا
وغيَّرته!
4 - نظرية الخطأ في القبر:
قصد
النسوة وكل الباقين قبراً غير الذي دُفن فيه يسوع . وصاحب هذه النظرية
اسمه ليك . ويقول إن من المشكوك فيه أن النسوة عرفن القبر الصحيح، فإن
أورشليم كانت محاطة بعدد كبير من القبور المحفورة في الصخور، حتى يصعب
معرفة القبر المقصود. ومن المشكوك فيه أن النسوة كنَّ قريبات من القبر وقت
الدفن. والأرجح أنهن كن يراقبن يوسف الرامي من بعيد، لأنه كان يمثل اليهود
أكثر من تمثيِلِه للتلاميذ، وعلى هذا فإنه كان يصعب عليهن تمييز القبر.
ومن المحتمل إذاً أنهن أتين إلى قبر آخر. ومما يبرهن هذه النظرية أنهن كن
قلقات بشأن الحجر الكبير، ولكنهن لم يجدنه، بل وجدن القبر مفتوحاً.
وتكون
القصة أن النسوة جئن في الصباح الباكر إلى قبر مفتوح فارغ باعتبار أنه
قبر المسيح. كن ينتظرن قبراً مغلقاً، فإذا به مفتوح وبداخله شاب خمَّن
الهدف من مجيئهن، فقال لهن: ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه
وأشار إلى القبر الخالي، ولكن النسوة الخائفات هربن!
وللرد على هذه النظرية نقول:
(ا)
لقد عرفت النسوة مكان دفن يسوع، قبل زيارتهن للقبر بأقل من 72 ساعة،
فيقول متى: وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ
الْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ (27: 61).
ويقول مرقس: وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ (: 47).
ويقول
لوقا: وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ،
وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُت (23: 55).
فهل نظن أن شخصاً عاقلاً ينسى بسرعة مكان شخص عزيز، وُضع فيه منذ أقل من 72 ساعة؟
(ب) أخبرت النسوة الرسل بما رأين، فذهب بطرس ويوحنا إلى القبر فوجداه فارغاً (يوحنا 20: 2 - .
فهل ذهب بطرس ويوحنا إلى قبر خطأ؟ لسنا نظن أنهما هما أيضاً وقعا في نفس الخطأ وذهبا إلى القبر الخطأ!
(ج)
قال الملاك للمرأتين: هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الّذِي كَانَ
الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ (متى 28: 6) - فهل أخطأ الملاك أيضاً؟
وقد
قام معلّق غريب يقول - لإثبات هذه النظرية - إن الملاك قال: أخطأتما
المكان. تعاليا إلى هنا لتريا المكان الذي كان الرب مضطجعاً فيه . ولم
يحدث في كل تاريخ دراسة المخطوطات أن سمعنا مثل هذا السُّخف! فإن كل
المخطوطات القديمة تقدّم كلمات الملاك حسب النصّ الذي عندنا في الإنجيل
اليوم.
(د) لو أن النسوة ذهبن للقبر الخطأ، فلماذا لم يذهب رجال السنهدريم للقبر الصحيح ليعلنوا للملأ كذب فكرةالقيامه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويفحموا التلاميذ؟ لا شك أن رؤساء الكهنة وسائر الأعداء كانوا قادرين على الذهاب إلى القبر الصحيح وإشهار كذب التلاميذ!
(ه-) لو أن النسوة والرومان واليهود والكل ذهبوا إلى القبر الخطأ - فلماذا لم يُصلح يوسف الرامي الأمور؟ لقد كان يعرف قبره!
(و)
يقول ليك في نظريته إن الشاب قال كلاماً للنسوة ولكنه يقدم اقتباساً
ناقصاً. ويقول مرقس: وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً
جَالِساً عَنِ الْيَمِينِ لَابِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَا نْدَهَشْنَ.
فَقَالَ لَهُنَّ: لَا تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ
النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ (مرقس 16: 5 و6). ونورد هنا الاقتباس الصحيح
والاقتباس الناقص:
الاقتباس الناقص:
ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه ولا يذكر قول الملاك: قد قام .
الاقتباس الصحيح:
قد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه .
والعالِم الحقيقي هو الذي يُثبت الحقائق كلَّها ولا يقدم اقتباساً ناقصاً.
(ز) بعد رجوع النسوة للتلاميذ كان يمكن حدوث أمر من اثنين: أن يذهب التلاميذ للقبر للتحقُّق من كلام النسوة.
أو أن يبدأوا إعلان القيامه على الملأ فوراً.
ولكن البدء في الكرازة بالقيامة حدث بعد ذلك بسبعة أسابيع. ويقول فرنك موريسون إن اعتماد النسوة على الرسل يهدم الخطأ في القبر..
لقد
اضطر ليك أن يقول إن النسوة بقين في أورشليم حتى صباح الأحد الذي ذهبن
فيه إلى القبر، وإن الرسل غادروا أورشليم قبل الشروق يوم الأحد، لأن
النظرية تقول إن النسوة لم يخبرن أحداً. ويضطر ليك أن يقول إن النسوة بقين
في أورشليم عدة أسابيع كان التلاميذ أثناءها قد رجعوا إلى بيوتهم،
ومارسوا أشغالهم المختلفة، ثم رجعوا إلى أورشليم. ويقول موريسون إن كل هذه
افتراضات كاذبة، لتجعل نظرية الخطأ في القبر مقبولة (13).
(ح)
كانت النسوة قد جئن بحنوط لدهن الجسد، وليس من المعقول أن يرجعن بدون
استعمالها، خصوصاً بعد أن أشار لهن الشاب إلى القبر الصحيح (كما تدَّعي
النظرية!).
(ط)
لم تكن هذه مقبرة عامة، بل كان القبر خاصاً في بستان، ليس معه احتمال خطأ
في الذهاب إلى قبر آخر، يحتاج معه الأمر إلى أن شاباً يشير للنسوة إلى
القبر الصحيح (كما تدَّعي النظرية) فيهملْنَ هذا التوجيه!!
(ك)
لماذا يذهب شاب ليجلس في قبر في وقت مبكر، سواء كان في مقبرة عامة أو في
قبر خاص في بستان؟ ما هو الدافع؟ إن هذه النظرية لا تردّ على هذا التساؤل.
وإن كان هذا الشاب أحد التلاميذ المحبين ليسوع، فلماذا خافت النسوة منه؟!
يقول مرقس إن النسوة دخلن القبر ورأين الشاب داخل القبر.. هذا يعني أنه كان يشير إلى المكان الذي وُضع فيه يسوع داخل القبر.
(ل)
قال البعض إن هذا الشاب هو البستاني. لكن إن كان نور النهار كافياً له
ليعمل، فإن النسوة كن يقدرن أن يعرفنه. أما إن كان النور ليس كافياً، فلم
يكن هناك داعٍ لوجوده في داخل القبر!
ولو
أن هذا الشاب كان البستاني، وأرشد النسوة إلى خطئهن في القبر، فلماذا لم
يستخدمه رؤساء الكهنة ليطعن في قصة القيامة؟ لم يكن هو البستاني بل كان
ملاكاً من السماء، وعرف الجميع أن قبر يسوع أصبح فارغاً وكان سؤال الجميع
هو: كيف حدث هذا؟!
(م) إن قصة ذهاب النسوة إلى قبر خطأ لا تسندها حقائق تاريخية، لكنها تنبع من رفض حدوث ما هو فوق طبيعي !