قصة الراهب النوراني المسجون - واقعية فوق الرائعة لأبونا بيسنتي جرجس
كنت فى زيارة للآباء بديرهم الصغير ، أحاديثهم دائما روحية ، وجلستهم لا يمكن أن تملها ....
وصلهم خطاب بريدى وأنا حاضر معهم ، فتحوه بشغف ، فهم دائما يتشوقون إلى خطاباته ، بدأ الأب جريجورى فى قراءة الخطاب بصوت عال وثلاثتنا نستمع ، كان خطابا روحيا رائعا على نظم خطابات بولس الرسول ، وإلى الآن أنا لا أعرف من مرسله ، إلى أن وصل فى قراءته إلى عبارة شدت إنتباهى ، العبارة ترجمتها كالآتى ( الخطاب باللغة الإنجليزية ) :
( أنا أعرف أنكم قضيتم ليله عيد أنبا أنطونيوس فى كنيسته الصغيرة الملحقة بكنيسة مارجرجس القبطية بحى " سيرى " مع الأب بيسنتى ، أبلغوه سلامى ، وأخبروه أننى أحب الكنيسة القبطية وأضع كل أملى فى قيادتها الروحية للعالم ، كما أننى أحب أبونا وأصلى له ، هل لى أن أقدم له هديه ويقبل أن أرسم أيقونه للأسقف بيسنتاؤس الذى تسمى أبونا على إسمه ؟ )
وهنا رفع الأب جريجورى عينيه عن الخطاب ، ووجه لى الكلام بوجه باسم : هذا هو الأب أنطونيوس ، إنه دائما رجل المفاجآت ، فاجأنا بخطابه فى حضورك وكأنه يعرف بزيارتك لنا ، وفاجأنا أنه يعرف أخبارنا وكأنه معنا .......من هو الأب أنطونيوس ؟ سألت محدثى متعجبا ، وكيف سمع عنى حتى صار يحبنى ويريد أن يهدينى أيقونة ؟ .....
+ ألم تسمع منا قبلا عن هذا الرجل النورانى ؟
+ نورانى ؟
+ نعم ، نورانى ، أشهد أننى فى آخر زيارة له ، رأيت وجهه نورانى ، مضيء بنور عجيب ...
+ إحكى لى من فضلك ، لقد شوقتنى ،
قلت هذا ورحت أستمع للعجب العجاب :
كان شابا أمريكيا مستهترا ، عاش شبابه كما يعيش المراهق الأمريكى فى لهو بلا ضابط ولا رابط ، صادق أصدقاء السوء ، ومارس كل أنواع اللهو والفجور بل ودخل عالم الجريمة من أوسع أبوابه ، حتى كانت النهاية المأساوية أن إرتكب حماقة أتت به إلى السجن السياسى مدى الحياة ، نعم ، مدى الحياة وليس المؤبد ، مدى الحياة ، سيخرج من زنزانته إلى قبره فى صندوق ....!!
أودعوة زنانة فى حبس إنفرادى ، الزنزانة عبارة عن قفص حديدى يتدلى بسلاسل تحت الأرض ، ويسمح له بأن يري النور بإصعاد القفص لمدة قصيرة فقط كل يوم ، ولا يسمح له باى وسيلة للتسلية داخل هذا القفص أبدا ، إنه إعدام بطىء ، يستحقه من يقدم على هذا النوع من الجرائم السياسية إذ كان شريكا فى عصابة تخطط لإغتيال رئيس الدولة !!! ، أما هو ، فكان قوى الإرادة ولم يستسلم لهذا الموت ، فإخترع وسيلته فى التسلية وقضاء الوقت ، كان يدخر جزءا من غذائة ليستعمله مجففا كألوان لرسمه ، فقطعة الطماطم المجففة تستخدم كلون أجمر ، والليمون للأصفر ، والزيتون للأسود ،، وهكذا إخترع ألوانا كان يمزجها بلعابه ويفردها على أى قطعة من الورق تقع فى يده ....
سنوات طويلة قضاها المسكين فى هذا القفص بين الوانه العذائية ورسومه المطعمية ، سنوات كانت كافية لتدمير نفسيته وإصابته بالجنون ، ولكن نعمة الله كانت تحفظه لرسالة من نوع عجيب ، سنوات طويلة ....... حتى إفتقدته عناية الله وزار السجن بإذن خاص أحد الآباء الكهنة التابعين للكنيسة الأمريكية الروسية الأصل ، وهنا بدأت كلمة الله تعمل وروحه يتحرك داخل قلبه ، فما كان من الشاب إلا أن إنسكب بالروح مستسلما فى شباكه ، طالبا أن يقبل سر المعمودية المقدسة التى نالها بإذن خاص من إدارة السجن ، وبدأت رحلته مع عالم الروح ، فلا عمل له إلا الصلاة والتأمل ، كان يقضى اليوم ويطويه مستكشفا ذلك العالم العجيب داخله ، كان متأكدا أن لا أمل له فى الخارج وقد أحاطت بجسده قضبان حديدية من كل جانب ، فوجه وجهته للداخل ، وهكذا قال : ( إننى أمارس حريتى داخل نفسى ، إننى أملك إتساعا هائلا داخل نفسى ، صرت أتعمق الداخل حتى وجدت الله ، لم أكن أراه وأنا حر فى الخارج ، وحينما سجنت من الخارج وجدته عميقا فى داخلى ) ،،،
كم كان مطيعا لكلمة الله التى يقرأها له الكاهن فى كل زيارة شهرية ، وكم كان نشيطا فى تنفيذ قوانينه الروحية ، وما سمع عن الآباء الرهبان الثلاثة بالجزيرة المجاورة لفانكوفر حتى إشتاق أن يكون رابعهم فى زنزانته ، وهنا زاره الأب الأسقف ، وبإذن خاص أيضا من إدارة السجن قام برسامته راهبا على دير ( التجلى ) بجزيرة " سن شاين كوست " ، وأعطاه إسم ( الأب أنطونيوس ) ...
وهنا أرادت إدارة السجن أن تكرمه ، خاصة وقد شهدت تحولا جذريا فى سلوكه ، فقررت نقله من الحبس الإنفرادى إلى زنزانة مشتركة ( عنبر ) ، قضى فيه أياما قليلة ثم حاول بكل وسيلة أن يعود ، لقد إعتاد أن يجد الله فى محبسه الإنفرادى ، إنه فردوس نفسه ومسكن راحته ، فكان له ما أراد وعاد إلى قفصه الحديدى تحت الأرض ، وسمح له بالألوان الشمعيه التى يستعملها الأطفال ، وسمح له بأن يمارس هوايته فى رسم الأيقونات .
فرحت بإقونته التى رسمها للقديس الأنبا بيسنتى ( بيسنتاؤس ) لابس الروح ، رسمها لى بالألوان الشمعية وغلفها بعناية وأرسلها لى بالبريد ، وأرسل لى معها " تليد " شغله بخيوط بيضاء لأستعمله كلباس للقدم أثناء خدمة المذبح ، لبسته مرة واحدة ، ثم أدركت أنه بركة من هذا القديس المعاصر ولابد أن أحتفظ به عندى بركة وذكرى ، فما صنعته يداه لايوضع على الأقدام بل يوضع على الرأس .
فى عيد الأنبا أنطونيوس أب الرهبان ، أقدم هذا المثال الفريد والعجيب جدا ، واثقا أن أب الرهبان فرح بأولاده فى كل مكان ، فإتساع البرية بكل رحابتها لم يعد كافيا لأولادك يا أب الرهبان ، فرحت تختارهم من داخل السجون ومن وراء القضبان ، ومن لم يجد الله فى إتساع الخارج على رحابته ، وجده فى أعماق نفسه ......
( الصورة لإيقونة القديس بيسنتى لابس الروح بيد الراهب أنطونيوس المسجون بولاية كلورادو الأمريكية ، والصورة الصغيرة بالركن السفلى للراهب المسجون بوجهه النورانى ، بركة صلواته تشملنا )
من التأملات الرائعة جداً لأبونا بيسنتي جرجس
كنت فى زيارة للآباء بديرهم الصغير ، أحاديثهم دائما روحية ، وجلستهم لا يمكن أن تملها ....
وصلهم خطاب بريدى وأنا حاضر معهم ، فتحوه بشغف ، فهم دائما يتشوقون إلى خطاباته ، بدأ الأب جريجورى فى قراءة الخطاب بصوت عال وثلاثتنا نستمع ، كان خطابا روحيا رائعا على نظم خطابات بولس الرسول ، وإلى الآن أنا لا أعرف من مرسله ، إلى أن وصل فى قراءته إلى عبارة شدت إنتباهى ، العبارة ترجمتها كالآتى ( الخطاب باللغة الإنجليزية ) :
( أنا أعرف أنكم قضيتم ليله عيد أنبا أنطونيوس فى كنيسته الصغيرة الملحقة بكنيسة مارجرجس القبطية بحى " سيرى " مع الأب بيسنتى ، أبلغوه سلامى ، وأخبروه أننى أحب الكنيسة القبطية وأضع كل أملى فى قيادتها الروحية للعالم ، كما أننى أحب أبونا وأصلى له ، هل لى أن أقدم له هديه ويقبل أن أرسم أيقونه للأسقف بيسنتاؤس الذى تسمى أبونا على إسمه ؟ )
وهنا رفع الأب جريجورى عينيه عن الخطاب ، ووجه لى الكلام بوجه باسم : هذا هو الأب أنطونيوس ، إنه دائما رجل المفاجآت ، فاجأنا بخطابه فى حضورك وكأنه يعرف بزيارتك لنا ، وفاجأنا أنه يعرف أخبارنا وكأنه معنا .......من هو الأب أنطونيوس ؟ سألت محدثى متعجبا ، وكيف سمع عنى حتى صار يحبنى ويريد أن يهدينى أيقونة ؟ .....
+ ألم تسمع منا قبلا عن هذا الرجل النورانى ؟
+ نورانى ؟
+ نعم ، نورانى ، أشهد أننى فى آخر زيارة له ، رأيت وجهه نورانى ، مضيء بنور عجيب ...
+ إحكى لى من فضلك ، لقد شوقتنى ،
قلت هذا ورحت أستمع للعجب العجاب :
كان شابا أمريكيا مستهترا ، عاش شبابه كما يعيش المراهق الأمريكى فى لهو بلا ضابط ولا رابط ، صادق أصدقاء السوء ، ومارس كل أنواع اللهو والفجور بل ودخل عالم الجريمة من أوسع أبوابه ، حتى كانت النهاية المأساوية أن إرتكب حماقة أتت به إلى السجن السياسى مدى الحياة ، نعم ، مدى الحياة وليس المؤبد ، مدى الحياة ، سيخرج من زنزانته إلى قبره فى صندوق ....!!
أودعوة زنانة فى حبس إنفرادى ، الزنزانة عبارة عن قفص حديدى يتدلى بسلاسل تحت الأرض ، ويسمح له بأن يري النور بإصعاد القفص لمدة قصيرة فقط كل يوم ، ولا يسمح له باى وسيلة للتسلية داخل هذا القفص أبدا ، إنه إعدام بطىء ، يستحقه من يقدم على هذا النوع من الجرائم السياسية إذ كان شريكا فى عصابة تخطط لإغتيال رئيس الدولة !!! ، أما هو ، فكان قوى الإرادة ولم يستسلم لهذا الموت ، فإخترع وسيلته فى التسلية وقضاء الوقت ، كان يدخر جزءا من غذائة ليستعمله مجففا كألوان لرسمه ، فقطعة الطماطم المجففة تستخدم كلون أجمر ، والليمون للأصفر ، والزيتون للأسود ،، وهكذا إخترع ألوانا كان يمزجها بلعابه ويفردها على أى قطعة من الورق تقع فى يده ....
سنوات طويلة قضاها المسكين فى هذا القفص بين الوانه العذائية ورسومه المطعمية ، سنوات كانت كافية لتدمير نفسيته وإصابته بالجنون ، ولكن نعمة الله كانت تحفظه لرسالة من نوع عجيب ، سنوات طويلة ....... حتى إفتقدته عناية الله وزار السجن بإذن خاص أحد الآباء الكهنة التابعين للكنيسة الأمريكية الروسية الأصل ، وهنا بدأت كلمة الله تعمل وروحه يتحرك داخل قلبه ، فما كان من الشاب إلا أن إنسكب بالروح مستسلما فى شباكه ، طالبا أن يقبل سر المعمودية المقدسة التى نالها بإذن خاص من إدارة السجن ، وبدأت رحلته مع عالم الروح ، فلا عمل له إلا الصلاة والتأمل ، كان يقضى اليوم ويطويه مستكشفا ذلك العالم العجيب داخله ، كان متأكدا أن لا أمل له فى الخارج وقد أحاطت بجسده قضبان حديدية من كل جانب ، فوجه وجهته للداخل ، وهكذا قال : ( إننى أمارس حريتى داخل نفسى ، إننى أملك إتساعا هائلا داخل نفسى ، صرت أتعمق الداخل حتى وجدت الله ، لم أكن أراه وأنا حر فى الخارج ، وحينما سجنت من الخارج وجدته عميقا فى داخلى ) ،،،
كم كان مطيعا لكلمة الله التى يقرأها له الكاهن فى كل زيارة شهرية ، وكم كان نشيطا فى تنفيذ قوانينه الروحية ، وما سمع عن الآباء الرهبان الثلاثة بالجزيرة المجاورة لفانكوفر حتى إشتاق أن يكون رابعهم فى زنزانته ، وهنا زاره الأب الأسقف ، وبإذن خاص أيضا من إدارة السجن قام برسامته راهبا على دير ( التجلى ) بجزيرة " سن شاين كوست " ، وأعطاه إسم ( الأب أنطونيوس ) ...
وهنا أرادت إدارة السجن أن تكرمه ، خاصة وقد شهدت تحولا جذريا فى سلوكه ، فقررت نقله من الحبس الإنفرادى إلى زنزانة مشتركة ( عنبر ) ، قضى فيه أياما قليلة ثم حاول بكل وسيلة أن يعود ، لقد إعتاد أن يجد الله فى محبسه الإنفرادى ، إنه فردوس نفسه ومسكن راحته ، فكان له ما أراد وعاد إلى قفصه الحديدى تحت الأرض ، وسمح له بالألوان الشمعيه التى يستعملها الأطفال ، وسمح له بأن يمارس هوايته فى رسم الأيقونات .
فرحت بإقونته التى رسمها للقديس الأنبا بيسنتى ( بيسنتاؤس ) لابس الروح ، رسمها لى بالألوان الشمعية وغلفها بعناية وأرسلها لى بالبريد ، وأرسل لى معها " تليد " شغله بخيوط بيضاء لأستعمله كلباس للقدم أثناء خدمة المذبح ، لبسته مرة واحدة ، ثم أدركت أنه بركة من هذا القديس المعاصر ولابد أن أحتفظ به عندى بركة وذكرى ، فما صنعته يداه لايوضع على الأقدام بل يوضع على الرأس .
فى عيد الأنبا أنطونيوس أب الرهبان ، أقدم هذا المثال الفريد والعجيب جدا ، واثقا أن أب الرهبان فرح بأولاده فى كل مكان ، فإتساع البرية بكل رحابتها لم يعد كافيا لأولادك يا أب الرهبان ، فرحت تختارهم من داخل السجون ومن وراء القضبان ، ومن لم يجد الله فى إتساع الخارج على رحابته ، وجده فى أعماق نفسه ......
( الصورة لإيقونة القديس بيسنتى لابس الروح بيد الراهب أنطونيوس المسجون بولاية كلورادو الأمريكية ، والصورة الصغيرة بالركن السفلى للراهب المسجون بوجهه النورانى ، بركة صلواته تشملنا )
من التأملات الرائعة جداً لأبونا بيسنتي جرجس